( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان . ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا . وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض . ألا إلى الله تصير الأمور ) .
( وكذلك ) . بمثل هذه الطريقة ، وبمثل هذا الاتصال . ( أوحينا إليك ) . . فالوحي تم بالطريقة المعهودة ، ولم يكن أمرك بدعا . أوحينا إليك ( روحاً من أمرنا ) . . فيه حياة ، يبث الحياة ويدفعها ويحركها وينميها في القلوب وفي الواقع العملي المشهود . ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) . . هكذا يصور نفس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو أعلم بها ، قبل أن تتلقى هذا الوحي . وقد سمع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عن الكتاب وسمع عن الإيمان ، وكان معروفاً في الجزيرة العربية أن هناك أهل كتاب فيمن معهم ، وأن لهم عقيدة ، فليس هذا هو المقصود . إنما المقصود هو اشتمال القلب على هذه الحقيقة والشعور بها والتأثر بوجودها في الضمير . وهذا ما لم يكن قبل هذا الروح من أمر الله الذي لابس قلب محمد - عليه صلوات الله .
( ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء ) . . وهذه طبيعته الخالصة . طبيعة هذا الوحي . هذا الروح . هذا الكتاب . إنه نور . نور تخالط بشاشته القلوب التي يشاء لها الله أن تهتدي به ، بما يعلمه من حقيقتها ، ومن مخالطة هذا النور لها .
( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) . . وهناك توكيد على تخصيص هذه المسألة ، مسألة الهدى ، بمشيئة الله سبحانه ، وتجريدها من كل ملابسة ، وتعليقها بالله وحده يقدرها لمن يشاء بعلمه الخاص ، الذي لا يعرفه سواه ؛ والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] واسطة لتحقيق مشيئة الله ، فهو لا ينشى ء الهدى في القلوب ؛ ولكن يبلغ الرسالة ، فتقع مشيئة الله .
روحا : قرآنا ، لأن القلوب تحيا به .
جعلناه : جعلنا الروح أو الكتاب أو الإيمان .
وإنك لتهدي : وإنك لترشد وتدل .
إلى صراط مستقيم : إلى طريق معتدل موصل إلى المطلوب ، لا يضل من يسلكه .
52- { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } .
ومثل ذلك الوحي الذي أوحى الله به إلى الرسل السابقين عليك أوحى الله إليك ، فلست بدعا من الرسل لقد أوحى الله إليك قرآنا مشتملا على روح الدين ، وعلى تشريع وعظات وآداب وقصص وتاريخ ومشاهد للقيامة ، من شأن هذه الآداب أن تبعث الروح الصافية في أجسام الأمة ، وأن تبث فيها اليقظة وعوامل القوة .
{ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان . . . }
ما كنت قبل الأربعين تعلم هذا الوحي القرآني ، وما يشتمل عليه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ولقد كنت أميًّا فلم تقرأ كتب السابقين ، ولم تكن كاتبا حتى لا يظن مرتاب أنك نقلت هذا القرآن من الكتب السابقة ، وهذا شبيه بقوله تعالى : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذا لارتاب المبطلون } . ( العنكبوت : 48 ) .
ومع هذا فقد حفظ الله محمدا صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية ، فلم يسجد لصنم قط ، ولم يشترك مع أهل الجاهلية في لهوهم أو فجورهم ، وقد بغض الله إليه الأصنام ، وربّاه فأحسن تربيته ، وصنعه على عينه ، وكذلك يحفظ الله أنبياءه ورسله من التلبّس بأي أمر منهي عنه ، وفي القرآن الكريم شواهد متعددة على تزكية الله تعالى لرسوله وحفظه له ، ورعايته يتيما وشابا ورسولا ومهاجرا ومجاهدا صلوات الله وسلامه عليه .
{ ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا . . . }
أنزلنا عليك الوحي من السماء ، وجعلناه نورا يضيء للناس طريق الهداية ، وجعلنا القرآن وسيلة لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام وشرائعه وآدابه .
قال تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين . . . } ( الإسراء : 82 ) .
وقال عز وجل : { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } . ( يونس : 57 ) .
فالقرآن مصدر هداية ، والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ هذه الهداية ، وهو ممسك بمصباح الإسلام يدعو الناس إلى دين الله تعالى .
{ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } .
إنك يا محمد مصدر هداية ، وحامل لواء الوحي ، ومرشد لأمتك على هدى الإسلام ، وصراطه المستقيم ، وآدابه وأركانه وتشريعاته ، وما اشتمل عليه من قيم وأخلاق كانت مشعل نور للبشرية ، وسبيلا لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام .
قوله : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا } يعني ، ومثل الذي أوحيناه إلى النبيين من قبلك أوحينا إليك يا محمد { رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } أي رحمة من عندنا ، وقيل : المراد بالروح القرآن . وقيل : جبريل . وقيل غير ذلك . والأظهر أن المراد به القرآن ؛ فقد سماه الله روحا ؛ لأنه ينشر في الناس الحياة والمعرفة بعد أن كانوا من قبله جهالا يشبهون الموتى ؛ لفساد تفكيرهم وسلوكهم ، وسوء صنعهم ، وتخبطهم تائهين مضطرين حيارى . فلا شك أن القرآن أشبه بالروح السارية في أعماق الإنسان لتبعث فيه الحياة والحركة وتثير فيه الإحساس والقدرة على أداء الخير والمعروف .
قوله : { مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ } اختلف العلماء في المراد بالكتاب والإيمان ههنا ، مع إجماعهم على أنه لا يجوز القول عن الأنبياء أنهم كانوا قبل الوحي على الكفر ؛ بل كانوا طيلة حياتهم على الإيمان بالله . وفي المراد بالكتاب والإيمان أقوال كثيرة ، أظهرها أنك يا محمد كنت من قوم أميين لا يعرفون الكتاب ولا الإيمان . وذلك برهان على أنه لم يأخذ منهم ما جاءهم به عن أحد منهم . وقيل : المراد بالكتاب القرآن . وأما الإيمان فيراد به تفاصيل الشرائع . وقيل : دين الإسلام .
قوله : { وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } أي جعلنا القرآن نورا وضياءً يستدل العباد بكماله وجماله وإعجازه وما حواه من عظيم المعاني والأخبار والحجج – على وحدانية الله وإنه الواحد الخالق المقتدر ، فيهتدي به من عبادنا من وفَّقناه للهداية والإيمان والسداد .
قوله : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } أي إنك يا محمد لتدعو الناس إلى صراط الله المستقيم وهو دينه القويم الذي لا زيغ فيه ولا عوج وهو الإسلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.