تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (52)

49

المفردات :

روحا : قرآنا ، لأن القلوب تحيا به .

من أمرنا : من لدنا .

جعلناه : جعلنا الروح أو الكتاب أو الإيمان .

وإنك لتهدي : وإنك لترشد وتدل .

إلى صراط مستقيم : إلى طريق معتدل موصل إلى المطلوب ، لا يضل من يسلكه .

التفسير :

52- { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } .

ومثل ذلك الوحي الذي أوحى الله به إلى الرسل السابقين عليك أوحى الله إليك ، فلست بدعا من الرسل لقد أوحى الله إليك قرآنا مشتملا على روح الدين ، وعلى تشريع وعظات وآداب وقصص وتاريخ ومشاهد للقيامة ، من شأن هذه الآداب أن تبعث الروح الصافية في أجسام الأمة ، وأن تبث فيها اليقظة وعوامل القوة .

{ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان . . . }

ما كنت قبل الأربعين تعلم هذا الوحي القرآني ، وما يشتمل عليه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، ولقد كنت أميًّا فلم تقرأ كتب السابقين ، ولم تكن كاتبا حتى لا يظن مرتاب أنك نقلت هذا القرآن من الكتب السابقة ، وهذا شبيه بقوله تعالى : { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذا لارتاب المبطلون } . ( العنكبوت : 48 ) .

ومع هذا فقد حفظ الله محمدا صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية ، فلم يسجد لصنم قط ، ولم يشترك مع أهل الجاهلية في لهوهم أو فجورهم ، وقد بغض الله إليه الأصنام ، وربّاه فأحسن تربيته ، وصنعه على عينه ، وكذلك يحفظ الله أنبياءه ورسله من التلبّس بأي أمر منهي عنه ، وفي القرآن الكريم شواهد متعددة على تزكية الله تعالى لرسوله وحفظه له ، ورعايته يتيما وشابا ورسولا ومهاجرا ومجاهدا صلوات الله وسلامه عليه .

{ ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا . . . }

أنزلنا عليك الوحي من السماء ، وجعلناه نورا يضيء للناس طريق الهداية ، وجعلنا القرآن وسيلة لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام وشرائعه وآدابه .

قال تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين . . . } ( الإسراء : 82 ) .

وقال عز وجل : { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } . ( يونس : 57 ) .

فالقرآن مصدر هداية ، والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ هذه الهداية ، وهو ممسك بمصباح الإسلام يدعو الناس إلى دين الله تعالى .

{ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } .

إنك يا محمد مصدر هداية ، وحامل لواء الوحي ، ومرشد لأمتك على هدى الإسلام ، وصراطه المستقيم ، وآدابه وأركانه وتشريعاته ، وما اشتمل عليه من قيم وأخلاق كانت مشعل نور للبشرية ، وسبيلا لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (52)

قوله : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا } يعني ، ومثل الذي أوحيناه إلى النبيين من قبلك أوحينا إليك يا محمد { رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } أي رحمة من عندنا ، وقيل : المراد بالروح القرآن . وقيل : جبريل . وقيل غير ذلك . والأظهر أن المراد به القرآن ؛ فقد سماه الله روحا ؛ لأنه ينشر في الناس الحياة والمعرفة بعد أن كانوا من قبله جهالا يشبهون الموتى ؛ لفساد تفكيرهم وسلوكهم ، وسوء صنعهم ، وتخبطهم تائهين مضطرين حيارى . فلا شك أن القرآن أشبه بالروح السارية في أعماق الإنسان لتبعث فيه الحياة والحركة وتثير فيه الإحساس والقدرة على أداء الخير والمعروف .

قوله : { مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ } اختلف العلماء في المراد بالكتاب والإيمان ههنا ، مع إجماعهم على أنه لا يجوز القول عن الأنبياء أنهم كانوا قبل الوحي على الكفر ؛ بل كانوا طيلة حياتهم على الإيمان بالله . وفي المراد بالكتاب والإيمان أقوال كثيرة ، أظهرها أنك يا محمد كنت من قوم أميين لا يعرفون الكتاب ولا الإيمان . وذلك برهان على أنه لم يأخذ منهم ما جاءهم به عن أحد منهم . وقيل : المراد بالكتاب القرآن . وأما الإيمان فيراد به تفاصيل الشرائع . وقيل : دين الإسلام .

قوله : { وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } أي جعلنا القرآن نورا وضياءً يستدل العباد بكماله وجماله وإعجازه وما حواه من عظيم المعاني والأخبار والحجج – على وحدانية الله وإنه الواحد الخالق المقتدر ، فيهتدي به من عبادنا من وفَّقناه للهداية والإيمان والسداد .

قوله : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } أي إنك يا محمد لتدعو الناس إلى صراط الله المستقيم وهو دينه القويم الذي لا زيغ فيه ولا عوج وهو الإسلام .