في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

ثم يربط هذه الحقيقة بالكون كله في أكبر وأرفع مجاليه ؛ كما يربط به من الناحية الأخرى حقيقة الجزاء في الآخرة ، بعد الابتلاء بالموت والحياة :

الذي خلق سبع سماوات طباقا ، ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، فارجع البصر هل ترى من فطور ? ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير . ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ، وجعلناها رجوما للشياطين ، واعتدنا لهم عذاب السعير . وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم ، وبئس المصير . إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور . تكاد تميز من الغيظ ، كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها : ألم يأتكم نذير ? قالوا : بلى ! قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا : ما نزل الله من شيء ، إن أنتم إلا في ضلال كبير . وقالوا : لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير . فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ! .

وكل ما في هذه الآيات آثار لمدلول الآية الأولى ، ومظاهر للهيمنة المتصرفة في الملك ، وللقدرة التي لا يقيدها قيد . ثم هي بعد ذلك تصديق للآية الثانية من خلق الموت والحياة للابتلاء ، ثم الجزاء . .

والسماوات السبع الطباق التي تشير إليها الآية لا يمكن الجزم بمدلولها ، استقاء من نظريات الفلك ، فهذه النظريات قابلة للتعديل والتصحيح ، كلما تقدمت وسائل الرصد والكشف . ولا يجوز تعليق مدلول الآية بمثل هذه الكشوف القابلة للتعديل والتصحيح . ويكفي أن نعرف أن هناك سبع سماوات . وأنها طباق بمعنى أنها طبقات على أبعاد متفاوتة .

والقرآن يوجه النظر إلى خلق الله ، في السماوات بصفة خاصة وفي كل ما خلق بصفة عامة . يوجه النظر إلى خلق الله ، وهو يتحدى بكماله كمالا يرد البصر عاجزا كليلا مبهورا مدهوشا .

( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) . . فليس هناك خلل ولا نقص ولا اضطراب . . ( فارجع البصر ) . . وانظر مرة أخرى للتأكد والتثبت ( هل ترى من فطور ? ) . . وهل وقع نظرك على شق أو صدع أو خلل ?

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

1

طباقا : بعضها فوق بعض ، جمع طبق أو طبقة .

فطور : شقوق وخروق ، أو خلل .

3- الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور .

لقد خلق الله سبع سماوات متطابقة ، كل طبقة فوقها أخرى . وخلق ذلك في غاية الكمال والإبداع ، وليس في خلق الرحمان خلل أو اضطراب أو عيب أو تصادم ، بل قدرة الله هي التي منحت هذا الكون الإبداع والتكامل والجمال .

قال تعالى : الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخّر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى . . . ( الرعد : 2 ) .

فارجع البصر هل ترى من فطور .

ردّد بصرك في عالم السماء ، وقلّبه في أرجائها ، هل ترى في خلق الرحمان من عيوب ؟

ونسب خلق السماء إلى الرحمان ليبين أنه من رحمة الله بنا أن جعل السماء سقفا مرفوعا ، ممتدّا بلايين السنين ، لا يوجد فيها عيب أو خلل أو تشقق ، والناس تبني بنايات محدودة ، وتحتاج إلى صيانة مستمرة ، وتدارك لما فيها من خلل أو فطور ، لكن خلق الرحمان كبير قديم ممتد ، واف وكاف وشاف ، يتمتع بالكمال والإبداع وانعدام النظير .

قال تعالى : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . . . ( غافر : 57 ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

{ سبع سموات طباقا } أي بعضها فوق بعض . مصدر طابق مطابقة وطباقا ؛ من طابق النعل : أي جعله طبقة فوق أخرى . وصف به للمبالغة ، أو بتقدير مضاف ، أي ذات طباق . قال البقاعي : حيث يكون كل جزء منها مطابقا للجزء من الأخرى ، ولا يكون جزء منها خارجا عن ذلك . وهي لا تكون كذلك إلا أن تكون الأرض كرية ، والسماء الدنيا محيطة بها إحاطة قشر البيضة من جميع الجوانب ، والسماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا ، وهكذا إلى أن يكون العرش محيطا بالكل ، والكرسي الذي هو أقربها بالنسبة إليه كحلقة في فلاة ؛ فما ظنك بما تحته ! وكل سماء من التي فوقها بهذه النسبة . وقد قرر أهل الهيئة أنها كذلك ، وليس في الشرع ما يخالفه ، بل ظاهره يوافقه . اه .

{ ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت } ما ترى في خلق السموات السبع ، شيئا من الاختلاف وعدم التناسب ، فلا عيب ولا نقص ، ولا اعوجاج ولا اضطراب في شيء منها . بل كلها محكمة جارية على مقتضى الحكمة . يقال : تفاوت الشيئان تفاوتا ، تباعد ما بينهما ؛ من الفوت ، وأصله الفرجة بين أصبعين . والجملة صفة لسبع سموات . { فارجع البصر } أي إن كنت في شك من ذلك ، فكرر النظر فيما خلقنا حتى يتضح لك الأمر ، ولا يبقى عندك شبهة فيه . { هل ترى من فطور } أي خلل ووهن . وأصل معنى الفطور : الشقوق والصدوع ؛ جمع فطر . يقال : فطره فانفطر . وتفطر الشيء تشقق ؛ وبابه نصر أريد منه ما ذكرنا لعلاقة اللزوم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

{ الذي خلق سبع سماوات طباقا } طبقاً على طبق بعضها فوق بعض ، { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } قرأ حمزة والكسائي : من تفوت بتشديد " الواو " بلا ألف ، وقرأ الآخرون بتخفيف " الواو " وألف قبلها ، وهما لغتان كالتحمل والتحامل ، والتظهر والتظاهر . ومعناه : ما ترى يا ابن آدم في خلق الرحمن من اعوجاج واختلاف وتناقض ، بل هي مستقيمة مستوية . وأصله من الفوت وهو أن يفوت بعضها بعضاً لقلة استوائها ، { فارجع البصر } كرر النظر ، معناه : انظر ثم ارجع ، { هل ترى من فطور } شقوق وصدوع .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

قوله تعالى : " الذي خلق سبع سماوات طباقا " أي بعضها فوق بعض ، والملتزق منها أطرافها ، كذا روي عن ابن عباس . و " طباقا " نعت " لسبع " فهو وصف بالمصدر . وقيل : مصدر بمعنى المطابقة ، أي خلق سبع سموات وطبقها تطبيقا أو مطابقة . أو على طوبقت طباقا . وقال سيبويه : نصب " طباقا " لأنه مفعول ثان . قلت : فيكون " خلق " بمعنى جعل وصير . وطباق جمع طبق ، مثل جمل وجمال . وقيل : جمع طبقة . وقال أبان بن تغلب : سمعت بعض الأعراب يذم رجلا فقال : شره طباق ، وخيره غير باق . ويجوز في غير القرآن سبع سموات طباق ؛ بالخفض على النعت لسموات . ونظيره " وسبع سنبلات خضر{[15184]} " [ يوسف : 46 ] .

قوله تعالى : " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " قراءة حمزة والكسائي " من تَفَوّت " بغير ألف مشددة . وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه . الباقون " من تفاوت " بألف . وهما لغتان مثل التعاهد والتعهد ، والتحمل والتحامل ، والتظهر والتظاهر ، وتصاغر وتصغر ، وتضاعف وتضعف ، وتباعد وتبعد ، كله بمعنى . واختار أبو عبيد " من تفوت " واحتج بحديث عبدالرحمن بن أبي بكر : " أمثلي يُتَفَوّتُ عليه في بناته{[15185]} " ! النحاس : وهذا أمر مردود على أبي عبيد ، لأن يتفوّت : يَفْتَات بهم . " وتفاوت " في الآية أشبه . كما يقال تباين يقال : تفاوت الأمر إذا تباين وتباعد ، أي فات بضعها بعضا . ألا ترى أن قبله قوله تعالى : " الذي خلق سبع سموات طباقا " . والمعنى : ما ترى في خلق الرحمن من اعوجاج ولا تناقض ولا تباين - بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها - وإن اختلفت صوره وصفاته . وقيل : المراد بذلك السموات خاصة ، أي ما ترى في خلق السموات من عيب . وأصله من الفوت ، وهو أن يفوت شيء شيئا فيقع الخلل لقلة استوائها ، يدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنه : من تفرق . وقال أبو عبيدة : يقال : تفوت الشيء أي فات . ثم أمر بأن ينظروا في خلقه ليعتبروا به فيتفكروا في قدرته : فقال : " فارجع البصر هل ترى من فطور " أي أردد طرفك إلى السماء . ويقال : قلب البصر في السماء . ويقال : اجْهَد بالنظر إلى السماء . والمعنى متقارب . وإنما قال : " فارجع " بالفاء وليس قبله فعل مذكور ؛ لأنه قال : " ما ترى " . والمعنى انظر ثم ارجع البصر هل ترى من فطور ، قاله قتادة . والفطور : الشقوق ، عن مجاهد والضحاك . وقال قتادة : من خلل . السدي : من خروق . ابن عباس : من وهن . وأصله من التفطر والانفطار وهو الانشقاق . قال الشاعر :

بنَى لكم بلا عَمَدٍ سماءً *** وزيَّنَها فما فيها فطور

وقال آخر :

شققتِ القلب ثم ذررتِ فيه *** هواكِ فَلِيمَ فالتأم الفُطُورُ

تغلغل حيث لم يبلغ شرابٌ *** ولا سكرٌ ولم يبلغ سرورُ


[15184]:راجع جـ 9 ص 201.
[15185]:أي يفعل في شأنهن شيء يغير أمره. قال هذا عند ما علم أن أخته السيدة عائشة زوجت ابنته وهو غائب من المنذر بن الزبير. والرواية في الحديث: " أمثلي يفتات" بدل "يتفوت".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

ولما أثبت له سبحانه صفتي العز والغفر{[66693]} على أبلغ ما يكون ، دل على ذلك بقوله دالاً على كمال تفرده بعد آيات الأنفس ، بآيات الآفاق إرشاداً إلى معالي الأخلاق : { الذي خلق } أي أبدع على{[66694]} هذا التقدير من غير مثال سبق { سبع سماوات } حال كونها { طباقاً } جمع طبق كل واحدة منها كأنها لشدة مطابقتها للأخرى طالبة مطابقتها بحيث يكون كل جزء منها مطابقاً لجزء من الأخرى ، ولا يكون جزء منها خارجاً عن ذلك{[66695]} وهي لا تكون كذلك إلا بأن تكون الأرض كرة والسماء الدنيا محيطة بها إحاطة قشر البيضة بالبيضة من جميع الجوانب ، والثانية محيطة بالدنيا و{[66696]}هكذا إلى أن يكون العرش محيطاً بالكل ، والكرسي الذي هو أقربها إليه بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في فلاة ، فما ظنك بما تحته ، وكل سماه في التي فوقها بهذه النسبة ، وقد قرر أهل الهيئة أنها كذلك ، وليس في الشرع ما يخالفه ، بل ظواهره توافقه ، ولا سيما التشبيه بالحلقة الملقاة{[66697]} في فلاة كما مضى بسط ذلك في سورة السجدة ، وأحاط سبحانه بالأرض منافعها من جميع الجوانب ، وجعل المركز بحيث يجذب إليه الأسفل ، فكيفما مشى الحيوان في{[66698]} جوانبها اقتضى المركز أن تكون رجلاه إلى الأرض ورأسه إلى السماء لتكون السماء في رأيه دائماً أعلى ، والأرض أسفل في أي جانب كان هو عليها ، فسبحان اللطيف الخبير ، ولا شك أن من تفكر في هذه العظمة مع ما لطف بنا فيما هيأه {[66699]}فيها لنا{[66700]} من المنافع ، آثره سبحانه بالحب وأفرده عن كل ضد ، فانقطع{[66701]} باللجاء إليه ولم يعول{[66702]} إلا عليه في كل {[66703]}دفع ونفع{[66704]} ، وسارع في مراضيه{[66705]} ومحابه في كل خفض ورفع .

ولما كان ذلك{[66706]} في حد ذاته خارجاً عن طوق المخلوق ، وكان سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وما{[66707]} بين كل سمائين كذلك ، مع عدم الفروج والعمد والأطناب ، {[66708]}فكان ذلك{[66709]} النهاية في الخروج عن العادة في حد ذاته ولأنه قيل : إن القبة إذا بنيت بلا فروج ولا شيء يدخل{[66710]} الهواء منه تفسد وتسقط ، دل على عزته بعظيم صنعه في ذلك بقوله واصفاً لها : { ما ترى في } وكان الأصل : خلقها ، ولكنه{[66711]} دل على عزته وعموم عظمته بقوله : { خلق الرحمن } أي لها ولغيرها ولولا{[66712]} رحمته وعموم عظمته{[66713]} التي اقتضت إكرامه لخلقه بعد غفرانه لما لهم من النقائص ، ما أحسن إليهم بها{[66714]} في اتساعها{[66715]} وزينتها وما فيها من المنافع . وأعرق في النفي بقوله : { من تفاوت } بين صغير{[66716]} ذلك الخلق وكبيره بالنسبة إلى الخالق في إيجاده له على حد سواء ، إنما قوله له{[66717]} إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، فلا فرق{[66718]} في ذلك بين الذرة مثلاً والغرس ، ولا بالنسبة إلى الخالق من عجز صغيرهم وكبيرهم عن إيجاد شيء من العدم صغيراً كان أو كبيراً جليلاً كان أو حقيراً . ولا ترى تفاوتاً في الخلق بأن {[66719]}يكون شيء منه{[66720]} فائتاً للآخر{[66721]} بالمخالفة والاضطراب والتناقض في الخلقة غير مناسب له بأن يكون خارجاً عنه أو منافراً له في مقتضى الحكمة ، وآثار الإحسان في الصنعة ، والنزول عن الإتقان والاتساق ، والخروج عن الإحكام والاتفاق ، والدلالة للخالق على كمال القدرة وللمخلوق على الحدوث بنوع من ضعف البنية بحيث يكون كل{[66722]} واحد كالطالب لأن يخالف الآخر ، أو تعمد لأن يفوت الآخر ويخالفه - على قراءة حذف الألف والتشديد بحيث يكون التفاضل{[66723]} في المزدوجات وعدم المساواة كأنه مقصود بالذات وبالقصد الأول ، بل لا توجد المخالفة إلا نادراً بحيث يعلم أن المشاكلة هي المقصود بالذات {[66724]}وبالقصد الأول ، فإذا وقع في شيء منه مخالفة كان على وجه الندور ليعلم أنه ليس مقصوداً بالذات{[66725]} ، وإنما أريد به الدلالة على الاختيار ، وأن الفاعل هو القادر المختار لا الطبيعة ، قال الرازي : كأن التفاوت الشيء المختلف لأعلى النظام ، وقال{[66726]} البغوي : من اعوجاج واختلاف وتناقض ، وقال غيره : عدم{[66727]} التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضاً ولا يلائمه ، وهو من الفوت وهو أن يفوت بعضها بعضاً لقلة استوائها ، وقال أبو حيان{[66728]} : والتفاوت {[66729]}تجاوز الحد{[66730]} الذي يجب له زيادة أو نقصان - انتهى .

يظهر ذلك بأن أغلب{[66731]} الخلق أجوف ، والأجوف يعمل مبسوطاً ثم يضم ويوصل أحد جانبيه بالآخر فيكون ثم نوع فطر{[66732]} يعرفه أهل الحذق وإن اجتهد صانعه في إخفائه ، وإن كان فيه أشياء متقابلة كان فيها تفاوت ولو قل وإن اجتهد الصانع في المساواة ، وخلق الله لا تفاوت فيه بوجه ، فالسماوات كرية ولا ترى {[66733]}في جانب منها{[66734]} شقاً ولا فطراً ظاهراً ولا خفياً ، والحيوان أجوف{[66735]} ولا ترى في شيء من جسده فصماً يكون الضم والتجويف وقع به وكل من متقابليه مساو للأخر ، كالعينين والأذنين والمنخرين والساقين ونحوها مما يقصد فيه التساوي لا تفاوت فيه أصلاً - إلى غير ذلك مما يطول شرحه ، ولا يمكن ضبطه ، فسبحان من لا تتناهى قدرته فلا تتناهى مقدوراته ، ولا تحصى بوجه معلوماته ، وكل ذلك عليه هين ، والأمر في ذلك واضح بين ، هذا{[66736]} مع الاتساع الذي لا يدرك مقداره بأكثر من أن{[66737]} كل سماء بالنسبة إلى التي فوقها كحلقة ملقاة في فلاة إلى أن يوصل إلى الكرسي ثم العرش العظيم ، ومن سر كونها كذلك حصول النفع بكل ما فيها من كواكب{[66738]} مرطبة أو ميبسة أو منورة ، واتصالات ممطرة ومثبتة يجري كل ذلك منها على ترتيب مطرد ، ونظام غير منخرم مقدر جريه بالقسط مرتب{[66739]} على منافع الوجود ومصالح الكائنات ، كلها مكفوفة على هواء لطيف بتدبير شريف{[66740]} : لا يتعدى شيء منها طوره ولا يتخطى حده ، ولا يرسب فيها تحته من الهواء فيهوي ، ولا يرتفع عن محله بمقدار ذرة فيطفو ، قد أحاط بكلها الأمر{[66741]} ، وضبطها صاغرة القهر .

ولما كان العلم الناشىء عن الحسن أجل{[66742]} العلوم ، دل على بديع ما ذكره بمشاهدة الحس له كذلك ، فسبب عنه قوله منبهاً بالرجع الذي هو تكرير الرجوع على أن كل أحد يشاهد ذلك كذلك من حين يعقل إلى أن يبلغ حد التكليف المقتضي للمخاطبة بهذا الكلام{[66743]} : { فارجع البصر } أي بعد ترديدك له قبل ذلك ، ودل بتوجيه{[66744]} الخطاب نحو أكمل الخلق صلى الله عليه وسلم في السمع والبصر والبصيرة وكل معنى إلى أن ذلك لا شبهة فيه .

ولما كان السؤال عن{[66745]} الشيء يدل على شدة الاهتمام بالبحث عنه ، نبه{[66746]} على أن هذا{[66747]} مما اشتدت عناية الأولين به فقال : { هل ترى } أي في شيء منها .

ولما كان هذا الاستفهام مفيداً للنفي ، أعرق في النفي{[66748]} بقوله : { من فطور * } أي خلل بشقوق وصدوع أو غيرها لتغاير ما هي{[66749]} عليه وأخبرت به من تناسبها و{[66750]}استجماعها واستقامتها{[66751]} ما يحق لها مما يدل على عزة ما فيها وبليغ غفرانه ، وهذا أيضاً يدل على إحاطة كل{[66752]} منها بما دونه ، فإنه لو كان لها{[66753]} فروج لفاتت المنافع التي رتبت لها النجوم المفرقة في طبقاتها{[66754]} أو بعضها أو كمالها ، فالهواء وجميع المنافع منحبسة{[66755]} فيها محوطة بها{[66756]} مضطربة متصرفة{[66757]} فيها على حسب التدبير ، والحيوان في الهواء كالسمك في الماء ، لو انحبس الهواء عنه لمات كما أنه لو انكشف الماء عن السمك لمات{[66758]} .


[66693]:- من ظ وم، وفي الأصل: العفو.
[66694]:- زيد من ظ وم.
[66695]:- زيد في الأصل: لا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66696]:- زيد في الأصل: بسمائها و، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66697]:- زيد من ظ وم.
[66698]:- من م، وفي الأصل وظ: من.
[66699]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيه.
[66700]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيه.
[66701]:- من ظ وم، وفي الأصل: فاتضم.
[66702]:- من ظ وم، وفي الأصل: لم في كل أموره.
[66703]:- من ظ وم، وفي الأصل: نفع وضر.
[66704]:- من ظ وم، وفي الأصل: نفع وضر.
[66705]:- من ظ وم، وفي الأصل: مرضاته.
[66706]:- زيد من ظ و م.
[66707]:- زيد من ظ وم.
[66708]:- من ظ وم، وفي الأصل: فذلك.
[66709]:- من ظ وم، وفي الأصل: فذلك.
[66710]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا يدخل.
[66711]:- من ظ وم، وفي الأصل: لكن.
[66712]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا.
[66713]:- في م: رحمته.
[66714]:- زيد من ظ وم.
[66715]:- من ظ وم، وفي الأصل: ابتدعها.
[66716]:- من ظ وم، وفي الأصل: صغر.
[66717]:- زيد من ظ وم.
[66718]:- من ظ وم، وفي الأصل: فرقة.
[66719]:- من ظ وم، وفي الأصل: منه شيء.
[66720]:- من ظ وم، وفي الأصل: منه شيء.
[66721]:- من م، وفي الأصل وظ: بالآخر.
[66722]:- زيد من ظ وم.
[66723]:- من ظ وم، وفي الأصل: التفاوت.
[66724]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[66725]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[66726]:- في المعالم بهامش اللباب 7/ 104.
[66727]:- زيد من ظ.
[66728]:- في البحر المحيط 8/ 298.
[66729]:- من ظ وم والبحر، وفي الأصل: التجاوز.
[66730]:- من ظ وم والبحر، وفي الأصل: التجاوز.
[66731]:- من ظ وم، وفي الأصل: غلب.
[66732]:- من ظ وم، وفي الأصل: نظر.
[66733]:- من ظ وم، وفي الأصل: منها في جانب.
[66734]:- من ظ وم، وفي الأصل: منها في جانب.
[66735]:-من ظ وم، وفي الأصل: جوف.
[66736]:- زيد في الأصل: إن، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66737]:- زيد من ظ وم.
[66738]:- من ظ وم، وفي الأصل: كوكب.
[66739]:- من ظ وم، وفي الأصل: مركب.
[66740]:- من ظ وم، وفي الأصل: الشريف.
[66741]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأرض.
[66742]:- من ظ وم، وفي الأصل: ابل.
[66743]:- زيد في الأصل: فافهم، ولم تكن الزيادة في ظ وفي م فحذفناها.
[66744]:- من ظ وم، وفي الأصل: توجيه.
[66745]:- من ظ وم، وفي الأصل: على.
[66746]:- من ظ وم، وفي الأصل: معه.
[66747]:- زيد من ظ وم.
[66748]:- زيد من ظ وم.
[66749]:- زيد من ظ وم.
[66750]:- في ظ وم: استقامتها واستجماعها.
[66751]:- في ظ وم: استقامتها واستجماعها.
[66752]:- زيد في الأصل: شيء، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66753]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيها.
[66754]:- من ظ وم، وفي الأصل: طباقها.
[66755]:- من ظ وم، وفي الأصل: محبسه.
[66756]:- زيد من ظ وم.
[66757]:- من ظ وم، وفي الأصل: منفردة.
[66758]:- زيد في الأصل: أولفات، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.