في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

ثم يربط هذه الحقيقة بالكون كله في أكبر وأرفع مجاليه ؛ كما يربط به من الناحية الأخرى حقيقة الجزاء في الآخرة ، بعد الابتلاء بالموت والحياة :

الذي خلق سبع سماوات طباقا ، ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، فارجع البصر هل ترى من فطور ? ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير . ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ، وجعلناها رجوما للشياطين ، واعتدنا لهم عذاب السعير . وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم ، وبئس المصير . إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور . تكاد تميز من الغيظ ، كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها : ألم يأتكم نذير ? قالوا : بلى ! قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا : ما نزل الله من شيء ، إن أنتم إلا في ضلال كبير . وقالوا : لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير . فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ! .

وكل ما في هذه الآيات آثار لمدلول الآية الأولى ، ومظاهر للهيمنة المتصرفة في الملك ، وللقدرة التي لا يقيدها قيد . ثم هي بعد ذلك تصديق للآية الثانية من خلق الموت والحياة للابتلاء ، ثم الجزاء . .

والسماوات السبع الطباق التي تشير إليها الآية لا يمكن الجزم بمدلولها ، استقاء من نظريات الفلك ، فهذه النظريات قابلة للتعديل والتصحيح ، كلما تقدمت وسائل الرصد والكشف . ولا يجوز تعليق مدلول الآية بمثل هذه الكشوف القابلة للتعديل والتصحيح . ويكفي أن نعرف أن هناك سبع سماوات . وأنها طباق بمعنى أنها طبقات على أبعاد متفاوتة .

والقرآن يوجه النظر إلى خلق الله ، في السماوات بصفة خاصة وفي كل ما خلق بصفة عامة . يوجه النظر إلى خلق الله ، وهو يتحدى بكماله كمالا يرد البصر عاجزا كليلا مبهورا مدهوشا .

( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) . . فليس هناك خلل ولا نقص ولا اضطراب . . ( فارجع البصر ) . . وانظر مرة أخرى للتأكد والتثبت ( هل ترى من فطور ? ) . . وهل وقع نظرك على شق أو صدع أو خلل ?

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

1

طباقا : بعضها فوق بعض ، جمع طبق أو طبقة .

فطور : شقوق وخروق ، أو خلل .

3- الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور .

لقد خلق الله سبع سماوات متطابقة ، كل طبقة فوقها أخرى . وخلق ذلك في غاية الكمال والإبداع ، وليس في خلق الرحمان خلل أو اضطراب أو عيب أو تصادم ، بل قدرة الله هي التي منحت هذا الكون الإبداع والتكامل والجمال .

قال تعالى : الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخّر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى . . . ( الرعد : 2 ) .

فارجع البصر هل ترى من فطور .

ردّد بصرك في عالم السماء ، وقلّبه في أرجائها ، هل ترى في خلق الرحمان من عيوب ؟

ونسب خلق السماء إلى الرحمان ليبين أنه من رحمة الله بنا أن جعل السماء سقفا مرفوعا ، ممتدّا بلايين السنين ، لا يوجد فيها عيب أو خلل أو تشقق ، والناس تبني بنايات محدودة ، وتحتاج إلى صيانة مستمرة ، وتدارك لما فيها من خلل أو فطور ، لكن خلق الرحمان كبير قديم ممتد ، واف وكاف وشاف ، يتمتع بالكمال والإبداع وانعدام النظير .

قال تعالى : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . . . ( غافر : 57 ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

{ سبع سموات طباقا } أي بعضها فوق بعض . مصدر طابق مطابقة وطباقا ؛ من طابق النعل : أي جعله طبقة فوق أخرى . وصف به للمبالغة ، أو بتقدير مضاف ، أي ذات طباق . قال البقاعي : حيث يكون كل جزء منها مطابقا للجزء من الأخرى ، ولا يكون جزء منها خارجا عن ذلك . وهي لا تكون كذلك إلا أن تكون الأرض كرية ، والسماء الدنيا محيطة بها إحاطة قشر البيضة من جميع الجوانب ، والسماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا ، وهكذا إلى أن يكون العرش محيطا بالكل ، والكرسي الذي هو أقربها بالنسبة إليه كحلقة في فلاة ؛ فما ظنك بما تحته ! وكل سماء من التي فوقها بهذه النسبة . وقد قرر أهل الهيئة أنها كذلك ، وليس في الشرع ما يخالفه ، بل ظاهره يوافقه . اه .

{ ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت } ما ترى في خلق السموات السبع ، شيئا من الاختلاف وعدم التناسب ، فلا عيب ولا نقص ، ولا اعوجاج ولا اضطراب في شيء منها . بل كلها محكمة جارية على مقتضى الحكمة . يقال : تفاوت الشيئان تفاوتا ، تباعد ما بينهما ؛ من الفوت ، وأصله الفرجة بين أصبعين . والجملة صفة لسبع سموات . { فارجع البصر } أي إن كنت في شك من ذلك ، فكرر النظر فيما خلقنا حتى يتضح لك الأمر ، ولا يبقى عندك شبهة فيه . { هل ترى من فطور } أي خلل ووهن . وأصل معنى الفطور : الشقوق والصدوع ؛ جمع فطر . يقال : فطره فانفطر . وتفطر الشيء تشقق ؛ وبابه نصر أريد منه ما ذكرنا لعلاقة اللزوم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

طباقا : يشبه بعضها بعضا في الإتقان .

ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت : لا ترى فيما خلق الله من اختلاف وعدم تناسب وإتقان صنعة .

فارجع البصرَ : أعد النظر .

هل ترى من فُطور : هل ترى من نقصٍ أو شقوق .

ثم بيّن الله تعالى أنه أبدعَ سبع سمواتٍ طباقاً ، يطابق بعضُها بعضا في دِقّة الصَّنعةِ والإتقان . والعددُ سبعة لا يفيد الحَصر ، بل يجوز أن يكون هنا أكثر بكثير ، ولكنّ القرآن يجري على مفهوم لغةِ العرب . . فإن هذا الكونَ العجيبَ فيه مَجَرّات لا حصر لها وكل مجرّةٍ فيها ملايين النجوم .

والسماءُ كل ما علانا فأظلَّنا ، والصورةُ التي يراها سكانُ الأرض في الليالي الصافية هي القبّة الزرقاءُ تزيّنها النجومُ والكواكب كأنها مصابيحُ ، كما تُرى الشهبُ تهوي محترقةً في أعالي جوّ الأرض .

ما تَرى أيها الإنسان ، في صُنع اللهِ أيَّ تفاوت .

{ فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ } .

أعِد النظرَ في هذا الكون العجيب الصنع ، وفي هذه السماء . . هل تجد أي خلل ؟

قراءات :

قرأ حمزة والكسائي : ما ترى في خلق الرحمن من تفوّت بتشديد الواو بلا ألف . والباقون : من تفاوت .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

شرح الكلمات :

{ طباقا } : أي طبقة فوق طبقة وهي السبع الطباق ولا تماس بينها .

{ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } : أي من تباين وعدم تناسب .

{ هل ترى من فطور } : أي مرتين مرة بعد مرة .

المعنى :

وقوله { الذي خلق سبع سماوات طباقاً } هذا ثناء بعظيم القدرة وسعة العلم والحكمة خلق سبع سموات طباقاً سماء فوق سماء مطابقة لها ولكن من غير مماسة إذ ما بين كل سماء وأخرى هواء وفراغ مسيرة خمسمائة عام فالمطابقة المعادلة والمساواة في الجرم لا بوضع سماء على الأخرى كغطاء القدر مثلاً .

وقوله { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } أي من اختلاف أو تضاد وتباين والسماء فوقك فإنك لا تجد إلا الاتساق والانتظام لا تصدع ولا انفطار وإن شئت فارجع البصر وانظر هل ترى من فطور أي إنك لا ترى ذلك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا } أي : كل واحدة فوق الأخرى ، ولسن طبقة واحدة ، وخلقها في غاية الحسن والإتقان { مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ } أي : خلل ونقص .

وإذا انتفى النقص من كل وجه ، صارت حسنة كاملة ، متناسبة من كل وجه ، في لونها وهيئتها وارتفاعها ، وما فيها من الشمس والقمر والكواكب النيرات ، الثوابت منهن والسيارات .

ولما كان كمالها معلومًا ، أمر [ الله ] تعالى بتكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها ، قال :

{ فَارْجِعِ الْبَصَرَ } أي : أعده إليها ، ناظرًا معتبرًا { هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ } أي : نقص واختلال .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

{ الذي خلق سبع سماوات طباقا } بعضها فوق بعض ، { ما ترى في خلق الرحمن } أي خلقه السماء ، { من تفاوت } اظطرب واختلاف بل هي مستوية مستقيمة ، { فارجع البصر } أعد فيها النظر ، { هل ترى من فطور } صدوع وشقوق .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

قوله تعالى : " الذي خلق سبع سماوات طباقا " أي بعضها فوق بعض ، والملتزق منها أطرافها ، كذا روي عن ابن عباس . و " طباقا " نعت " لسبع " فهو وصف بالمصدر . وقيل : مصدر بمعنى المطابقة ، أي خلق سبع سموات وطبقها تطبيقا أو مطابقة . أو على طوبقت طباقا . وقال سيبويه : نصب " طباقا " لأنه مفعول ثان . قلت : فيكون " خلق " بمعنى جعل وصير . وطباق جمع طبق ، مثل جمل وجمال . وقيل : جمع طبقة . وقال أبان بن تغلب : سمعت بعض الأعراب يذم رجلا فقال : شره طباق ، وخيره غير باق . ويجوز في غير القرآن سبع سموات طباق ؛ بالخفض على النعت لسموات . ونظيره " وسبع سنبلات خضر{[15184]} " [ يوسف : 46 ] .

قوله تعالى : " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " قراءة حمزة والكسائي " من تَفَوّت " بغير ألف مشددة . وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه . الباقون " من تفاوت " بألف . وهما لغتان مثل التعاهد والتعهد ، والتحمل والتحامل ، والتظهر والتظاهر ، وتصاغر وتصغر ، وتضاعف وتضعف ، وتباعد وتبعد ، كله بمعنى . واختار أبو عبيد " من تفوت " واحتج بحديث عبدالرحمن بن أبي بكر : " أمثلي يُتَفَوّتُ عليه في بناته{[15185]} " ! النحاس : وهذا أمر مردود على أبي عبيد ، لأن يتفوّت : يَفْتَات بهم . " وتفاوت " في الآية أشبه . كما يقال تباين يقال : تفاوت الأمر إذا تباين وتباعد ، أي فات بضعها بعضا . ألا ترى أن قبله قوله تعالى : " الذي خلق سبع سموات طباقا " . والمعنى : ما ترى في خلق الرحمن من اعوجاج ولا تناقض ولا تباين - بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها - وإن اختلفت صوره وصفاته . وقيل : المراد بذلك السموات خاصة ، أي ما ترى في خلق السموات من عيب . وأصله من الفوت ، وهو أن يفوت شيء شيئا فيقع الخلل لقلة استوائها ، يدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنه : من تفرق . وقال أبو عبيدة : يقال : تفوت الشيء أي فات . ثم أمر بأن ينظروا في خلقه ليعتبروا به فيتفكروا في قدرته : فقال : " فارجع البصر هل ترى من فطور " أي أردد طرفك إلى السماء . ويقال : قلب البصر في السماء . ويقال : اجْهَد بالنظر إلى السماء . والمعنى متقارب . وإنما قال : " فارجع " بالفاء وليس قبله فعل مذكور ؛ لأنه قال : " ما ترى " . والمعنى انظر ثم ارجع البصر هل ترى من فطور ، قاله قتادة . والفطور : الشقوق ، عن مجاهد والضحاك . وقال قتادة : من خلل . السدي : من خروق . ابن عباس : من وهن . وأصله من التفطر والانفطار وهو الانشقاق . قال الشاعر :

بنَى لكم بلا عَمَدٍ سماءً *** وزيَّنَها فما فيها فطور

وقال آخر :

شققتِ القلب ثم ذررتِ فيه *** هواكِ فَلِيمَ فالتأم الفُطُورُ

تغلغل حيث لم يبلغ شرابٌ *** ولا سكرٌ ولم يبلغ سرورُ


[15184]:راجع جـ 9 ص 201.
[15185]:أي يفعل في شأنهن شيء يغير أمره. قال هذا عند ما علم أن أخته السيدة عائشة زوجت ابنته وهو غائب من المنذر بن الزبير. والرواية في الحديث: " أمثلي يفتات" بدل "يتفوت".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

ولما أثبت له سبحانه صفتي العز والغفر{[66693]} على أبلغ ما يكون ، دل على ذلك بقوله دالاً على كمال تفرده بعد آيات الأنفس ، بآيات الآفاق إرشاداً إلى معالي الأخلاق : { الذي خلق } أي أبدع على{[66694]} هذا التقدير من غير مثال سبق { سبع سماوات } حال كونها { طباقاً } جمع طبق كل واحدة منها كأنها لشدة مطابقتها للأخرى طالبة مطابقتها بحيث يكون كل جزء منها مطابقاً لجزء من الأخرى ، ولا يكون جزء منها خارجاً عن ذلك{[66695]} وهي لا تكون كذلك إلا بأن تكون الأرض كرة والسماء الدنيا محيطة بها إحاطة قشر البيضة بالبيضة من جميع الجوانب ، والثانية محيطة بالدنيا و{[66696]}هكذا إلى أن يكون العرش محيطاً بالكل ، والكرسي الذي هو أقربها إليه بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في فلاة ، فما ظنك بما تحته ، وكل سماه في التي فوقها بهذه النسبة ، وقد قرر أهل الهيئة أنها كذلك ، وليس في الشرع ما يخالفه ، بل ظواهره توافقه ، ولا سيما التشبيه بالحلقة الملقاة{[66697]} في فلاة كما مضى بسط ذلك في سورة السجدة ، وأحاط سبحانه بالأرض منافعها من جميع الجوانب ، وجعل المركز بحيث يجذب إليه الأسفل ، فكيفما مشى الحيوان في{[66698]} جوانبها اقتضى المركز أن تكون رجلاه إلى الأرض ورأسه إلى السماء لتكون السماء في رأيه دائماً أعلى ، والأرض أسفل في أي جانب كان هو عليها ، فسبحان اللطيف الخبير ، ولا شك أن من تفكر في هذه العظمة مع ما لطف بنا فيما هيأه {[66699]}فيها لنا{[66700]} من المنافع ، آثره سبحانه بالحب وأفرده عن كل ضد ، فانقطع{[66701]} باللجاء إليه ولم يعول{[66702]} إلا عليه في كل {[66703]}دفع ونفع{[66704]} ، وسارع في مراضيه{[66705]} ومحابه في كل خفض ورفع .

ولما كان ذلك{[66706]} في حد ذاته خارجاً عن طوق المخلوق ، وكان سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وما{[66707]} بين كل سمائين كذلك ، مع عدم الفروج والعمد والأطناب ، {[66708]}فكان ذلك{[66709]} النهاية في الخروج عن العادة في حد ذاته ولأنه قيل : إن القبة إذا بنيت بلا فروج ولا شيء يدخل{[66710]} الهواء منه تفسد وتسقط ، دل على عزته بعظيم صنعه في ذلك بقوله واصفاً لها : { ما ترى في } وكان الأصل : خلقها ، ولكنه{[66711]} دل على عزته وعموم عظمته بقوله : { خلق الرحمن } أي لها ولغيرها ولولا{[66712]} رحمته وعموم عظمته{[66713]} التي اقتضت إكرامه لخلقه بعد غفرانه لما لهم من النقائص ، ما أحسن إليهم بها{[66714]} في اتساعها{[66715]} وزينتها وما فيها من المنافع . وأعرق في النفي بقوله : { من تفاوت } بين صغير{[66716]} ذلك الخلق وكبيره بالنسبة إلى الخالق في إيجاده له على حد سواء ، إنما قوله له{[66717]} إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، فلا فرق{[66718]} في ذلك بين الذرة مثلاً والغرس ، ولا بالنسبة إلى الخالق من عجز صغيرهم وكبيرهم عن إيجاد شيء من العدم صغيراً كان أو كبيراً جليلاً كان أو حقيراً . ولا ترى تفاوتاً في الخلق بأن {[66719]}يكون شيء منه{[66720]} فائتاً للآخر{[66721]} بالمخالفة والاضطراب والتناقض في الخلقة غير مناسب له بأن يكون خارجاً عنه أو منافراً له في مقتضى الحكمة ، وآثار الإحسان في الصنعة ، والنزول عن الإتقان والاتساق ، والخروج عن الإحكام والاتفاق ، والدلالة للخالق على كمال القدرة وللمخلوق على الحدوث بنوع من ضعف البنية بحيث يكون كل{[66722]} واحد كالطالب لأن يخالف الآخر ، أو تعمد لأن يفوت الآخر ويخالفه - على قراءة حذف الألف والتشديد بحيث يكون التفاضل{[66723]} في المزدوجات وعدم المساواة كأنه مقصود بالذات وبالقصد الأول ، بل لا توجد المخالفة إلا نادراً بحيث يعلم أن المشاكلة هي المقصود بالذات {[66724]}وبالقصد الأول ، فإذا وقع في شيء منه مخالفة كان على وجه الندور ليعلم أنه ليس مقصوداً بالذات{[66725]} ، وإنما أريد به الدلالة على الاختيار ، وأن الفاعل هو القادر المختار لا الطبيعة ، قال الرازي : كأن التفاوت الشيء المختلف لأعلى النظام ، وقال{[66726]} البغوي : من اعوجاج واختلاف وتناقض ، وقال غيره : عدم{[66727]} التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضاً ولا يلائمه ، وهو من الفوت وهو أن يفوت بعضها بعضاً لقلة استوائها ، وقال أبو حيان{[66728]} : والتفاوت {[66729]}تجاوز الحد{[66730]} الذي يجب له زيادة أو نقصان - انتهى .

يظهر ذلك بأن أغلب{[66731]} الخلق أجوف ، والأجوف يعمل مبسوطاً ثم يضم ويوصل أحد جانبيه بالآخر فيكون ثم نوع فطر{[66732]} يعرفه أهل الحذق وإن اجتهد صانعه في إخفائه ، وإن كان فيه أشياء متقابلة كان فيها تفاوت ولو قل وإن اجتهد الصانع في المساواة ، وخلق الله لا تفاوت فيه بوجه ، فالسماوات كرية ولا ترى {[66733]}في جانب منها{[66734]} شقاً ولا فطراً ظاهراً ولا خفياً ، والحيوان أجوف{[66735]} ولا ترى في شيء من جسده فصماً يكون الضم والتجويف وقع به وكل من متقابليه مساو للأخر ، كالعينين والأذنين والمنخرين والساقين ونحوها مما يقصد فيه التساوي لا تفاوت فيه أصلاً - إلى غير ذلك مما يطول شرحه ، ولا يمكن ضبطه ، فسبحان من لا تتناهى قدرته فلا تتناهى مقدوراته ، ولا تحصى بوجه معلوماته ، وكل ذلك عليه هين ، والأمر في ذلك واضح بين ، هذا{[66736]} مع الاتساع الذي لا يدرك مقداره بأكثر من أن{[66737]} كل سماء بالنسبة إلى التي فوقها كحلقة ملقاة في فلاة إلى أن يوصل إلى الكرسي ثم العرش العظيم ، ومن سر كونها كذلك حصول النفع بكل ما فيها من كواكب{[66738]} مرطبة أو ميبسة أو منورة ، واتصالات ممطرة ومثبتة يجري كل ذلك منها على ترتيب مطرد ، ونظام غير منخرم مقدر جريه بالقسط مرتب{[66739]} على منافع الوجود ومصالح الكائنات ، كلها مكفوفة على هواء لطيف بتدبير شريف{[66740]} : لا يتعدى شيء منها طوره ولا يتخطى حده ، ولا يرسب فيها تحته من الهواء فيهوي ، ولا يرتفع عن محله بمقدار ذرة فيطفو ، قد أحاط بكلها الأمر{[66741]} ، وضبطها صاغرة القهر .

ولما كان العلم الناشىء عن الحسن أجل{[66742]} العلوم ، دل على بديع ما ذكره بمشاهدة الحس له كذلك ، فسبب عنه قوله منبهاً بالرجع الذي هو تكرير الرجوع على أن كل أحد يشاهد ذلك كذلك من حين يعقل إلى أن يبلغ حد التكليف المقتضي للمخاطبة بهذا الكلام{[66743]} : { فارجع البصر } أي بعد ترديدك له قبل ذلك ، ودل بتوجيه{[66744]} الخطاب نحو أكمل الخلق صلى الله عليه وسلم في السمع والبصر والبصيرة وكل معنى إلى أن ذلك لا شبهة فيه .

ولما كان السؤال عن{[66745]} الشيء يدل على شدة الاهتمام بالبحث عنه ، نبه{[66746]} على أن هذا{[66747]} مما اشتدت عناية الأولين به فقال : { هل ترى } أي في شيء منها .

ولما كان هذا الاستفهام مفيداً للنفي ، أعرق في النفي{[66748]} بقوله : { من فطور * } أي خلل بشقوق وصدوع أو غيرها لتغاير ما هي{[66749]} عليه وأخبرت به من تناسبها و{[66750]}استجماعها واستقامتها{[66751]} ما يحق لها مما يدل على عزة ما فيها وبليغ غفرانه ، وهذا أيضاً يدل على إحاطة كل{[66752]} منها بما دونه ، فإنه لو كان لها{[66753]} فروج لفاتت المنافع التي رتبت لها النجوم المفرقة في طبقاتها{[66754]} أو بعضها أو كمالها ، فالهواء وجميع المنافع منحبسة{[66755]} فيها محوطة بها{[66756]} مضطربة متصرفة{[66757]} فيها على حسب التدبير ، والحيوان في الهواء كالسمك في الماء ، لو انحبس الهواء عنه لمات كما أنه لو انكشف الماء عن السمك لمات{[66758]} .


[66693]:- من ظ وم، وفي الأصل: العفو.
[66694]:- زيد من ظ وم.
[66695]:- زيد في الأصل: لا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66696]:- زيد في الأصل: بسمائها و، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66697]:- زيد من ظ وم.
[66698]:- من م، وفي الأصل وظ: من.
[66699]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيه.
[66700]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيه.
[66701]:- من ظ وم، وفي الأصل: فاتضم.
[66702]:- من ظ وم، وفي الأصل: لم في كل أموره.
[66703]:- من ظ وم، وفي الأصل: نفع وضر.
[66704]:- من ظ وم، وفي الأصل: نفع وضر.
[66705]:- من ظ وم، وفي الأصل: مرضاته.
[66706]:- زيد من ظ و م.
[66707]:- زيد من ظ وم.
[66708]:- من ظ وم، وفي الأصل: فذلك.
[66709]:- من ظ وم، وفي الأصل: فذلك.
[66710]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا يدخل.
[66711]:- من ظ وم، وفي الأصل: لكن.
[66712]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا.
[66713]:- في م: رحمته.
[66714]:- زيد من ظ وم.
[66715]:- من ظ وم، وفي الأصل: ابتدعها.
[66716]:- من ظ وم، وفي الأصل: صغر.
[66717]:- زيد من ظ وم.
[66718]:- من ظ وم، وفي الأصل: فرقة.
[66719]:- من ظ وم، وفي الأصل: منه شيء.
[66720]:- من ظ وم، وفي الأصل: منه شيء.
[66721]:- من م، وفي الأصل وظ: بالآخر.
[66722]:- زيد من ظ وم.
[66723]:- من ظ وم، وفي الأصل: التفاوت.
[66724]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[66725]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[66726]:- في المعالم بهامش اللباب 7/ 104.
[66727]:- زيد من ظ.
[66728]:- في البحر المحيط 8/ 298.
[66729]:- من ظ وم والبحر، وفي الأصل: التجاوز.
[66730]:- من ظ وم والبحر، وفي الأصل: التجاوز.
[66731]:- من ظ وم، وفي الأصل: غلب.
[66732]:- من ظ وم، وفي الأصل: نظر.
[66733]:- من ظ وم، وفي الأصل: منها في جانب.
[66734]:- من ظ وم، وفي الأصل: منها في جانب.
[66735]:-من ظ وم، وفي الأصل: جوف.
[66736]:- زيد في الأصل: إن، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66737]:- زيد من ظ وم.
[66738]:- من ظ وم، وفي الأصل: كوكب.
[66739]:- من ظ وم، وفي الأصل: مركب.
[66740]:- من ظ وم، وفي الأصل: الشريف.
[66741]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأرض.
[66742]:- من ظ وم، وفي الأصل: ابل.
[66743]:- زيد في الأصل: فافهم، ولم تكن الزيادة في ظ وفي م فحذفناها.
[66744]:- من ظ وم، وفي الأصل: توجيه.
[66745]:- من ظ وم، وفي الأصل: على.
[66746]:- من ظ وم، وفي الأصل: معه.
[66747]:- زيد من ظ وم.
[66748]:- زيد من ظ وم.
[66749]:- زيد من ظ وم.
[66750]:- في ظ وم: استقامتها واستجماعها.
[66751]:- في ظ وم: استقامتها واستجماعها.
[66752]:- زيد في الأصل: شيء، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66753]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيها.
[66754]:- من ظ وم، وفي الأصل: طباقها.
[66755]:- من ظ وم، وفي الأصل: محبسه.
[66756]:- زيد من ظ وم.
[66757]:- من ظ وم، وفي الأصل: منفردة.
[66758]:- زيد في الأصل: أولفات، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.