تعريف بالحج هذه السورة مشتركة بين مكية ومدنية كما يبدو من دلالة آياتها . وعلى الأخص آيات الأذن بالقتال . وآيات العقاب بالمثل ، فهي مدنية قطعا . فالمسلمون لم يؤذن لهم في القتال والقصاص إلا بعد الهجرة . وبعد قيام الدولة الإسلامية في المدينة . أما قبل ذلك فقد قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حين بايعه أهل يثرب ، وعرضوا عليه أن يميلوا على أهل منى من الكفار فيقتلوهم " إني لم أومر بهذا " . حتى إذا صارت المدينة دار إسلام شرع الله القتال لرد أذى المشركين عن المسلمين والدفاع عن حرية العقيدة ، وحرية العبادة للمؤمنين .
والذي يغلب على السورة هو موضوعات السور المكية ، وجو السور المكية . فموضوعات التوحيد والتخويف من الساعة ، وإثبات البعث ، وإنكار الشرك . ومشاهد القيامة ، وآيات الله المبثوثة في صفحات الكون . . بارزة في السورة وإلى جوارها الموضوعات المدنية من الإذن بالقتال ، وحماية الشعائر ، والوعد بنصر الله لمن يقع عليه البغي وهو يرد العدوان ، والأمر بالجهاد في سبيل الله .
والظلال الواضحة في جو السورة كلها هي ظلال القوة والشدة والعنف والرهبة . والتحذير والترهيب واستجاشة مشاعر التقوى والوجل والاستسلام .
تبدو هذه الظلال في المشاهد والأمثال . .
فمشهد البعث مزلزل عنيف رهيب : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم . يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) . .
وكذلك مشهد العذاب : ( فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ، يصب من فوق رؤوسهم الحميم ، يصهر به ما في بطونهم والجلود ، ولهم مقامع من حديد ، كلما أرادوا أن يخرجوا منها - من غم - أعيدوا فيها ، وذوقوا عذاب الحريق ) . .
ومثل الذي يشرك بالله : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) . .
وحركة من ييأس من نصر الله : ( من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ، ثم ليقطع ، فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ) . .
ومشهد القرى المدمرة بظلمها : ( فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة ، فهي خاوية على عروشها ، وبئر معطلة وقصر مشيد ) . .
تجتمع هذه المشاهد العنيفة المرهوبة إلى قوة الأوامر والتكاليف ، وتبرير الدفع بالقوة ، وتأكيد الوعد بالنصر والتمكين . إلى عرض الحديث عن قوة الله وضعف الشركاء المزعومين . .
ففي الأولى : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ، وإن الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا : ربنا الله . ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا . ولينصرن الله من ينصره . إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر . ولله عاقبة الأمور ) . .
وفي الثانية : ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له . إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه . ضعف الطالب والمطلوب . ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ) . .
ووراء هذا وذلك ، الدعوة إلى التقوى والوجل واستجاشة مشاعر الرهبة والاستسلام .
تبدأ بها السورة وتتناثر في ثناياها : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) . . ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) . . ( فإلهكم إله واحد ، فله أسلموا وبشر المخبتين . الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) . . ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) . .
ذلك إلى استعراض مشاهد الكون ، ومشاهد القيامة ، ومصارع الغابرين . والأمثلة والعبر والصور والتأملات لاستجاشة مشاعر الإيمان والتقوى والإخبات والاستسلام . . وهذا هو الظل الشائع في جو السورة كلها ، والذي يطبعها ويميزها .
ويجري سياق السورة في أربعة أشواط :
يبدأ الشوط الأول بالنداء العام . نداء الناس جميعا إلى تقوى الله ، وتخويفهم من زلزلة الساعة ، ووصف الهول المصاحب لها ، وهو هول عنيف مرهوب . ويعقب في ظل هذا الهول باستنكار الجدل في الله بغير علم ، واتباع كل شيطان محتوم على من يتبعه الضلال . ثم يعرض دلائل البعث من أطوار الحياة في جنين الإنسان ، وحياة النبات ؛ مسجلا تلك القربى بين أبناء الحياة ، ويربط بين تلك الأطوار المطردة الثابتة وبين أن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور . . وكلها سنن مطردة وحقائق ثابتة متصلة بناموس الوجود . . ثم يعود إلى استنكار الجدل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير بعد هذه الدلائل المستقرة في صلب الكون وفي نظام الوجود . وإلى استنكار بناء العقيدة على حساب الربح والخسارة ، والانحراف عن الاتجاه إلى الله عند وقوع الضراء ، والالتجاء إلى غير حماه ؛ واليأس من نصرة الله وعقباه . وينتهي هذا الشوط بتقرير أن الهدى والضلال بيد الله ، وأنه سيحكم بين أصحاب العقائد المختلفة يوم الحساب . . وهنا يعرض ذلك المشهد العنيف من مشاهد العذاب للكافرين ، وإلى جواره مشهد النعيم للمؤمنين .
ويتصل الشوط الثاني بنهاية الشوط الأول بالحديث عن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام . ويستنكر هذا الصد عن المسجد الحرام الذي جعله الله للناس جميعا . يستوي في ذلك المقيمون به والطارئون عليه . . وبهذه المناسبة يذكر طرفا من قصة بناء البيت ، وتكليف إبراهيم - عليه السلام - أن يقيمه على التوحيد ، وأن يطهره من رجس الشرك . ويستطرد إلى بعض شعائر الحج وما وراءها من استجاشة مشاعر التقوى في القلوب ، وهي الهدف المقصود . وينتهي هذا الشوط بالإذن للمؤمنين بالقتال لحماية الشعائر والعبادات من العدوان الذي يقع على المؤمنين ولا جريرة لهم إلا أن يقولوا : ربنا الله !
والشوط الثالث يتضمن عرض نماذج من تكذيب المكذبين من قبل ، ومن مصارع المكذبين ومشاهد القرى المدمرة على الظالمين . وذلك لبيان سنة الله في الدعوات ، وتسلية الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] عما يلقاه من صد وإعراض ، وتطمين المسلمين ، بالعاقبة التي لا بد أن تكون . كذلك يتضمن عرض طرف من كيد الشيطان للرسل والنبيين في دعوتهم ، وتثبيت الله لدعوته ، وإحكامه لآياته ، حتى يستيقن بها المؤمنون ، ويفتن بها الضعاف والمستكبرون !
أما الشوط الأخير فيتضمن وعد الله بنصرة من يقع عليه البغي وهو يدفع عنه العدوان ويتبع هذا الوعد بعرض دلائل القدرة في صفحات الكون ، وإلى جوارها يعرض صورة زرية لضعف الآلهة التي يركن إليها المشركون . . وينتهي الشوط وتنتهي السورة معه بنداء الذين آمنوا ليعبدوا ربهم ، ويجاهدوا في الله حق جهاده ، ويعتصموا بالله وحده ، وهم ينهضون بتكاليف عقيدتهم العريقة منذ أيام إبراهيم الخليل . .
( يا أيها الناس اتقوا ربكم ، إن زلزلة الساعة شيء عظيم . يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ؛ وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد ) . .
مطلع عنيف رعيب ، ومشهد ترتجف لهوله القلوب . يبدأ بالنداء الشامل للناس جميعا : ( يا أيها الناس )يدعوهم إلى الخوف من الله : ( اتقوا ربكم )ويخوفهم ذلك اليوم العصيب : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) .
وهكذا يبدأ بالتهويل المجمل ، وبالتجهيل الذي يلقي ظل الهول يقصر عن تعريفه التعبير ، فيقال : إنه زلزلة . وإن الزلزلة ( شيء عظيم ) ، من غير تحديد ولا تعريف .
بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمْ إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلّ مُرْضِعَةٍ عَمّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النّاسَ سُكَارَىَ وَمَا هُم بِسُكَارَىَ وَلََكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ } .
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الناس احذروا عقاب ربكم بطاعته ، فأطيعوه ولا تعصُوه ، فإن عقابه لمن عاقبه يوم القيامة شديد . ثم وصف جلّ ثناؤه هول أشراط ذلك اليوم وبدوّه ، فقال : إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةٍ شَيْءٌ عَظِيمٌ .
واختلف أهل العلم في وقت كون الزلزلة التي وصفها جلّ ثناؤه بالشدّة ، فقال بعضهم : هي كائنة في الدنيا قبل يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، في قوله : إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ قال : قبل الساعة .
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدنية ، عن عطاء ، عن عامر : يا أيّها النّاسُ اتقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظيمٌ قال : هذا في الدنيا قبل يوم القيامة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج في قوله : إنّ زَلْزَلَةَ السَاعَةِ فقال : زلزلتها : أشراطها . . . الاَيات يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْلٍ حَملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر : يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ قال : هذا في الدنيا من آيات الساعة .
وقد رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحو ما قال هؤلاء خبر ، في إسناده نظر وذلك ما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القُرَظيّ ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لمَا فَرَغَ اللّهُ منْ خَلْقِ السمَوَاتِ والأرْضِ ، خَلَقَ الصّوْرَ فأعْطاهُ إسْرَافِيلَ ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلى فيهِ ، شاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلى العَرْشِ ، يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ . » قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الصور ؟ قال : «قَرْنٌ » . قال : وكيف هو ؟ قال : «قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فيهِ ثَلاثّ نَفَخاتٍ ، الأُولى : نَفْخَةُ الفَزَعِ ، والثانيَةُ : نَفْخَةُ الصّعْقِ ، والثالِثَةُ : نَفْخَةُ القِيامِ لِرَبّ العالَمِينَ . يَأْمُرُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إسْرافيلَ بالنّفْخَةِ الأُولى ، فَيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ فَيَفْزَعُ أهْلُ السّمَواتِ والأَرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ الله ، ويَأْمُرُ اللّهُ فَيُدِيمُها وَيُطَوّلها ، فَلا يَفْتُرُ ، وَهِيَ التِي يَقُولُ اللّهُ : ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ فَيُسَيّرُ اللّهُ الجِبالَ فَتَكُونُ سَرَابا ، وَتُرَجّ الأرْضُ بأهلها رَجّا ، وَهِيَ الّتِي يَقُولُ اللّهُ : يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ، فَتَكُونُ الأرْض كالسّفِينَةِ الموبَقَةِ في البَحْرِ تَضْرِبُها الأَمْوَاجُ تُكْفَأُ بأَهْلها ، أوْ كالقِنْديلِ المُعَلّقِ بالعَرْشِ تُرَجّحُهُ الأَرْوَاحُ فَتَمِيدُ الناسُ عَلى ظَهْرِها فَتَذْهَلُ المَرَاضِعُ ، وَتَضَعُ الحَوَامِلُ ، وَتَشِيبُ الولْدَانُ ، وَتَطيرُ الشياطِينُ هارِبَةً حتى تَأْتي الأَقْطار فَتَلَقّاها المَلائِكَةُ فَتَضْرِبُ وُجُوهَها ، فَترْجِعُ وَيُوَلّي النّاس مُدْبِرِينَ يُنادِي بَعْضَهُمْ بَعْضَا ، وَهُوَ الذِي يَقُولُ اللّهُ : يَوْمَ التنادِ يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ فَبَيْنَما هُمْ عَلى ذلكَ ، إذْ تَصَدّعَتِ الأرْضُ مِنْ قُطْرٍ إلى قُطْرٍ ، فَرَأوْا أمْرا عَظِيما ، وأَخَذَهُمْ لِذَلكَ مِن الكَرْبِ ما اللّهُ أعْلَمُ بِهِ ، ثُمّ نَظَرُوا إلى السّماءِ فإذَا هِيَ كالمُهْلِ ، ثُم خُسِفَ شمْسُها وخُسِفَ قَمَرُها وَانْتَثرَتْ نُجُومُها ، ثُمّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والأمْوَاتُ لا يَعْلَمُون بِشَيْءٍ مِنْ ذلكَ » فقال أبو هريرة : فمن استثنى لله حين يقول : فَفَزِعَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ؟ قال : «أُولَئِكَ الشّهَدَاءُ ، وإنّمَا يَصلُ الفَزَعُ إلى الأحْياء ، أُولَئِكَ أحْياءٌ عِنْدَ رَبّهمْ يُرْزَقُونَ ، وَقاهُمُ اللّهُ فَزَعَ ذلكَ اليَوْم وآمَنَهُمْ . وَهُوَ عَذَابُ اللّهِ يَبْعَثُهُ عَلى شِرَارِ خَلْقِهِ ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ : يا أيها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . . . إلى قوله : وَلَكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ » .
وهذا القول الذي ذكرناه عن علقمة والشعبيّ ومن ذكرنا ذلك عنه قولٌ ، لولا مجيء الصحاح من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بمعاني وحي الله وتنزيله . والصواب من القول في ذلك ما صحّ به الخبر عنه . ذكر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا :
حدثني أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي يحدّث عن قتادة ، عن صاحب له حدّثه ، عن عمران بن حُصين ، قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وقد فاوت السّير بأصحابه ، إذ نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الاَية : «يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ » . قال : فحَثّوا المطيّ ، حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «هَلْ تَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ ذَلكَ ؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : «ذلكَ يَوْمَ يُنادَى آدَمُ ، يُنادِيهِ رَبّهُ : ابْعَثْ بَعْثَ النارِ ، مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إلى النّارِ » قال : فأبلس القوم ، فما وضح منهم ضاحك ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ألا احْمَلُوا وأبْشِرُوا ، فإنّ مَعَكُمْ خَلِيقَتَيْنِ ما كانَتا فِي قَوْمٍ إلاّ كَثَرَتاهُ ، فَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَني آدَمَ ، وَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَني إبْلِيسَ وَيأْجُوجَ وَمأْجُوجَ » . قال : «أبْشِرُوا ، ما أنْتُمْ فِي النّاسِ إلاّ كالشّامَةِ فِي جَنْبِ البَعِيرِ ، أو كالرّقْمة في جَناحِ الدّابَة » .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثنا أبي وحدثنا ابن أبي عديّ ، عن هشام جميعا ، عن قَتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، عن البنيّ صلى الله عليه وسلم بمثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قَتادة ، عن العلاء بن زياد عن عمران ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة العُسْرة ، ومعه أصحابه ، بعد ما شارف المدينة ، قرأ : يا أيّها النّاسُ اتقُوا رَبكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها . . . الاَية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتَدْرُونَ أيّ يوم ذَاكُمْ » ؟ قيل : الله ورسوله أعلم . فذكر نحوه ، إلا أنه زاد : «وإنّهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولانِ إلاّ كانَ بَيْنَهُما فَتْرَةٌ مِنَ الجاهِلِيّةِ ، فَهُمْ أهْلُ النّارِ وإنّكُمْ بينَ ظَهْرَانْي خَلِيقَتَيْنِ لا يُعادّهما أحدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ إلاّ كَثَرُوهُمْ ، وَهُمْ يَأْجُوجُ وَمأجُوجُ ، وَهُمْ أهْلُ النارِ ، وَتَكْمُلُ العِدّةُ مِنَ المُنافِقِينَ » .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي سعيد ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يُقالُ لاَدَمَ : أخْرِجْ بَعْثَ النّار ، قالَ : فَيَقُولُ : وَما بَعْثُ النّارِ ؟ فَيَقُولُ : مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مئَةٍ وتِسْعَةً وَتِسْعِينَ . فَعِنْدَ ذلكَ يَشِيبُ الصّغِيرُ ، وَتَضَعُ الحاملُ حَمَلها ، وَتَرَى النّاسَ سُكارَى وَما هُمْ بِسُكارَى ، وَلَكِنّ عَذَابَ اللّهِ شَديدٌ » . قالَ : قُلْنا فَأين الناجي يا رسول الله ؟ قال : «أبْشِرُوا فإنّ وَاحِدا منْكُمْ وألْفا منْ يَأْجُوجَ وَمأجُوجَ » . ثُمّ قالَ : «إنّي لأَطْمَعُ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهلِ الجَنّةِ » فَكَبّرْنا وحَمِدْنا اللّهَ . ثم قال : «إنّي لأَطْمَعُ أنْ تكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنةِ » فكَبّرْنا وحَمِدْنا اللّهَ . ثم قال : «إنّي لأطْمَعُ أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنةِ إنّمَا مَثَلُكُمْ فِي النّاسِ كمَثَلِ الشّعْرَةِ البَيْضَاءِ في الثّوْرِ الأسْوَدِ ، أو كَمَثلِ الشّعْرَةِ السّوْدَاءِ فِي الثوْرِ الأبْيَضِ » .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخُدْريّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَقُول اللّهُ لاَدَمَ يَوْمَ القِيامَةِ » ثم ذكر نحوه .
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحشر ، قال : «يقولُ اللّهُ يَوْمَ القِيامَةِ يا آدَمُ فَيَقُولُ : لَبّيْكَ وَسَعْدَيْكَ والخَيْرُ بِيَدَيْكَ فَيَقُولُ : ابْعَثْ بَعْثا إلى النّارِ » . ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، عن أنس قال : نزلت يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . . . حتى إلى : عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ . . . الاَية على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في مسير ، فرجّع بها صوته ، حتى ثاب إليه أصحابه ، فقال : «أتَدْرُونَ أيّ يَوْمٍ هَذَا ؟ هَذَا يَوْمَ يَقُولُ اللّهُ لاَدَمَ : يا آدَمُ قُمْ فابْعَثَ النارِ مِنْ كُلّ ألْفٍ تِسْعَ مئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ » فكُبر ذلك على المسلمين ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «سَدّدُوا وَقارِبُوا وأبْشِرُوا فَوَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ما أنْتُمْ فِي الناسِ إلاّ كالشّامَةِ في جَنْبِ البَعِيرِ ، أو كالرّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدّابّةِ ، وإنّ مَعَكُمْ لَخَلِيقَتَيْنِ ما كانَتا فِي شَيْءٍ قَطّ إلاّ كَثَرَتاهُ : يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ ، وَمَنْ هَلَكَ من كَفَرَةِ الجِنّ والإنْسِ » .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : دخلت على ابن مسعود بيت المال ، فقال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «أتَرْضَوْنَ أن تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنةِ ؟ » قُلنا نعم ، قال : «أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنةِ ؟ » قلنا : نعم قال : «فوَالّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ، إنّي لأرْجُوا أنْ تَكُونّوا شَطْرَ أهْلِ الجَنّةِ ، وَسأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذلكَ إنّه لا يَدْخُلُ الجَنّةَ إلاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ، وَإنّ قِلّةَ المُسْلِمِينَ فِي الكُفّارِ يَوْمَ القِيامَةِ كالشّعْرَةِ السّوْدَاءِ فِي الثّوْرِ الأبْبَضِ ، أو كالشّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي الثّوْرِ الأسْوَدِ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ قال : هذا يوم القيامة .
والزلزلة : مصدر من قوله القائل : زلزلتُ بفلان الأرض أزلزلها زلزلة وزِلزالاً ، بكسر الزاي من الزّلزال ، كما قال الله : إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا وكذلك المصدر من كل سليم من الأفعال إذا جاءت على فِعلال فبكسر أوّله ، مثل وَسْوس وَسْوَسَة ووِسْواسا ، فإذا كان اسما كان بفتح أوّله الزّلزال والوَسْواس ، وهو ما وسوس إلى الإنسان ، كما قال الشاعر :
يَعْرِف الجاهِلُ المُضَلّلُ أنّ الدّ *** هْرَ فِيهِ النّكْرَاءُ والزّلْزَالُ