في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (11)

بعد ذلك يواجه السياق القرآني تحديهم لرسول اللّه [ ص ] وطلبهم تعجيل العذاب الذي يتوعدهم به ؛ ببيان أن تأجيله إلى أجل مسمى هو حكمة من اللّه ورحمة . ويرسم لهم مشهدهم حين يصيبهم الضر فعلا ، فتتعرى فطرتهم من الركام وتتجه إلى خالقها . فإذا ارتفع الضر عاد المسرفون إلى ما كانوا فيه من غفلة . ويذكرهم مصارع الغابرين الذين استخلفوا هم من بعدهم ؛ ويلوح لهم بمثل هذا المصير ؛ ويبين لهم أن الحياة الدنيا إنما هي للابتلاء وبعدها الجزاء . .

( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم ، فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون . وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ، فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ، كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون . ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ، وجاءتهم رسلهم بالبينات ، وما كانوا ليؤمنوا ، كذلك نجزي القوم المجرمين . ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم ، لننظر كيف تعملون ) .

ولقد كان المشركون العرب يتحدون رسول الله [ ص ] أن يعجل لهم العذاب . . ومما حكاه الله تعالى عنهم في هذه السورة : ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) . وورد في غيرها : ( ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات )كما حكى القرآن الكريم قولهم : ( وإذ قالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) . .

وكل هذا يصور حالة العناد التي كانوا يواجهون بها هدى الله . . وقد شاءت حكمته أن يؤجلهم ، فلا يوقع بهم عذاب الاستئصال والهلاك كما أوقعهم بالمكذبين قبلهم . فقد علم الله أن كثرتهم ستدخل في هذا الدين ، فيقوم عليها ، وينطلق في الأرض بها . وكان ذلك بعد فتح مكة ، مما كانوا يجهلونه وهم يتحدون في جهالة !

غير عالمين بما يريده الله بهم من الخير الحقيقي . لا الخير الذي يستعجلونه استعجالهم بالشر !

والله سبحانه يقول لهم في الآية الأولى : إنه لو عجل لهم بالشر الذي يتحدون باستعجاله ، استعجالهم بالخير الذي يطلبونه . . لو استجاب الله لهم في استعجالهم كله لقضى عليهم ، وعجل بأجلهم ! ولكنه يستبقيهم لما أجلهم له . . ثم يحذرهم من هذا الإمهال أن يغفلوا عما وراءه . فالذين لا يرجون لقاءه سيظلون في عمايتهم يتخبطون ، حتى يأتيهم الأجل المرسوم .