البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (11)

قال مجاهد : نزلت في دعاء الرجل على نفسه وماله أو ولده ونحو هذا .

فأخبر تعالى لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله منهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم ، ثم حذف بعد ذلك من القول جملة يتضمنها الظاهر تقديره : فلا يفعل ذلك ، ولكن نذر الذين لا يرجون فاقتضب القول ، ووصل إلى هذا المعنى بقوله : فنذر الذين لا يرجون ، فتأمل هذا التقدير تجده صحيحاً قاله ابن عطية .

وقيل : نزلت في قولهم : إئتنا بما تعدنا ، وما جرى مجراه .

وقال الزمخشري : والمراد أهل مكة .

وقولهم : { فأمطر علينا حجارة } يعني : ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير لأميتوا وأهلكوا .

قال : ( فإن قلت ) : كيف اتصل به فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ، وما معناه ؟ ( قلت ) : قوله : ولو يعجل الله متضمن معنى نفي التعجيل كأنه قال : ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم ، فنذرهم في طغيانهم ، أو فنمهلهم ، ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاماً للحجة عليهم .

ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنّه تعالى لما ذكر عجب الناس من إيحاء الله إلى رجل منهم ، وكان فيما أوحي إليه الإنذار والتبشير ، وكانوا يستهزؤون بذلك ولا يعتقدون حلولَ ما أنذروه بهم فقالوا : { فأمطر علينا حجارة } وقال إخباراً عنهم : { ويستعجلونك بالعذاب } وقالوا : { فأتنا بما تعدنا } ثم استطرد من ذلك إلى وحدانيته تعالى ، وذكر إيجاده العالم ، ثم إلى تقسيم الناس إلى مؤمن وكافر ، وذكر منازل الفريقين ثم رجع إلى أن ذلك المنذر به الذي طلبوا وقوعه عجلاً لو وقع لهلكوا ، فلم يكن في إهلاكهم رجاء إيمان بعضهم ، وإخراج مؤمن من صلهم بل اقتضت حكمته أنْ لا يعجل لهم ما طلبوه ، لما ترتب على ذلك .

وانتصب استعجالهم على أنه مصدر مشبه به .

فقال الزمخشري : أصله ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير ، فوضع استعجاله لهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم ، كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم .

وقال الحوفي وابن عطية : التقدير مثل استعجالهم ، وكذا قدره أبو البقاء .

ومدلول عجل غير مدلول استعجل ، لأنّ عجل يدل على الوقوع ، واستعجل يدل على طلب التعجيل ، وذاك واقع من الله ، وهذا مضاف إليهم فلا يكون التقدير على ما قاله الزمخشري ، فيحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون التقدير تعجيلاً مثل استعجالهم بالخير ، فشبه التعجيل بالاستعجال ، لأنّ طلبهم للخير ووقوع تعجيله مقدم عندهم على كل شيء .

والثاني : أن يكون ثم محذوف يدل عليه المصدر تقديره : ولو يعجل الله للناس الشر إذا استعجلوا به استعجالهم بالخير ، لأنّهم كانوا يستعجلون بالشر ووقوعه على سبيل التهكم ، كما كانوا يستعجلون بالخير .

وقرأ ابن عامر : لقضى مبنياً للفاعل أجلهم بالنصب ، والأعمش لقضينا ، وباقي السبعة مبنياً للمفعول ، وأجلهم بالرفع .

وقضى أكمل ، والفاء في فنذر جواب ما أخبر به عنهم على طريق الاستئناف تقديره : فنحن نذر قاله الحوفي .

وقال أبو البقاء : فنذر معطوف على فعل محذوف تقديره : ولكن نمهلهم فنذر .