فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (11)

ولما ذكر الله سبحانه الوعيد على عدم الإيمان بالمعاد ذكر أن هذا العذاب من حقه أن يتأخر عن هذه الحياة الدنيا فقال : { ولو يعجل الله للناس الشر } أي إجابة دعائهم بالشر مما لهم فيه مضرة ومكروه في نفس أو مال ، والتعجيل تقديم الشيء قبل وقته وقال القفال : لما وصفهم بالغفلة أكد ذلك بأن من غاية غفلتهم أن الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب فبين الله سبحانه أنه لا مصلحة في إيصال الشر إليهم فلعلهم يتوبون أو يخرج من أصلابهم من يؤمن .

قيل معناه لو عجل الله للناس العقوبة ، { استعجالهم بالخير } أي كما يستعجلون بالثواب والخير أي استعجالا مثل استعجالهم قال مكي : وهذا مذهب سيبويه أو تعجيلا مثل استعجالهم وهذا تقدير أبي البقاء وهو الطاهر وقال الزمخشري : أصله تعجيله لهم بالخير وهو ضعيف جدا ، وقيل منصوب على إسقاط كاف التشبيه أي كاستعجالهم والاستعجال طلب العجلة .

{ لقضي إليهم أجلهم } أي لأهلكهم وقيل معناه لأميتوا قال ابن قتيبة : إن الناس عند الغضب والضجر قد يدعون على أنفسهم وأهلهم وأولادهم بالموت وتعجيل البلاء كما يدعون بالرزق والرحمة وإعطاء المسؤولية ، يقول لو أجابهم الله إذا دعوه بالشر الذي يستعجلون به استعجالهم بالخير لفرغ من إهلاكهم ولكن الله عز وجل بفضله وكرمه يستجيب للداعي في الخير ولا يستجيب له في الشر ، وقال مجاهد : في الآية هو قول الإنسان لولده وأهله عند الغضب لعنكم الله لا بارك الله فيكم وقال سعيد ابن جبير : هو قول الرجل للرجل اللهم العنه اللهم أخره وهو يحب أن يستجاب له ، وقال قتادة : هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وماله بما يكره أن يستجاب له فيه .

وقيل الآية خاصة بالكفار الذين أنكروا البعث وما يترتب عليه ، وقيل نزلت في النضر ابن الحرث حين قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية .

وقرئ لقضي على البناء للفاعل وهي قراءة حسنة لمناسبة ذلك لقوله { ولو يعجل الله } وصورة القياس هكذا لو يعجل الله الشر للناس لأهلكهم لكنه لم يهلكهم بل أمهلهم فلم يعجل لهم الشر ، ويدل على هذا القول قوله { فنذر الذين لا يرجون لقاءنا } أي لا يتوقعونه فالفاء للعطف على مقدر يدل عليه الكلام فكأنه قيل لكن لا يعجل لهم الشر ، ولا يقضي إليهم أجلهم فيذرهم أي فيتركهم ويمهلهم { في طغيانهم } أي الذي هو عدم رجاء اللقاء وإنكار البعث والجزاء وما يتفرع على أعمالهم السيئة ومقالاتهم الشنيعة ، والطغيان التطاول وهو العلو والارتفاع ، { يعمهون } يعني يتركهم يتحيرون في تطاولهم وتكبرهم وعدم قبولهم للحق استدراجا لهم منه سبحانه وخذلانا .