فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (11)

لما ذكر الله سبحانه الوعيد على عدم الإيمان بالمعاد ، ذكر أن هذا العذاب من حقه أن يتأخر عن هذه الحياة الدنيا . قال القفال : لما وصفهم بالغفلة أكد ذلك بأن من غاية غفلتهم أن الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب ، فبيّن الله سبحانه أنه لا مصلحة في إيصال الشرّ إليهم ، فلعلهم يتوبون ويخرج من أصلابهم من يؤمن ، قيل : معنى { وَلَوْ يُعَجّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير } لو عجل الله للناس العقوبة كما يتعجلون بالثواب والخير { لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } أي : ماتوا . وقيل المعنى : لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم . وقيل : الآية خاصة بالكفار الذين أنكروا البعث ، وما يترتب عليه . قال في الكشاف : وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير ، إشعاراً بسرعة إجابته وإسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل له . والمراد : أهل مكة ، وقولهم : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء } الآية . قيل : والتقدير : ولو يعجل الله لهم الشرّ عند استعجالهم به تعجيلاً مثل تعجيله لهم الخير عند استعجالهم به ، فحذف ما حذف لدلالة الباقي عليه . قال أبو عليّ الفارسي : في الكلام حذف ، والتقدير : { وَلَوْ يُعَجّلُ الله لِلنَّاسِ الشر } تعجيلاً مثل { استعجالهم بالخير } ثم حذف تعجيلاً وأقام صفته مقامه ، ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه قال : هذا مذهب الخليل وسيبويه ، وهو قول الأخفش والفرّاء ، قالوا : وأصله كاستعجالهم ، ثم حذف الكاف ونصب . قال الفراء : كما تقول : ضربت زيداً ضربك ، أي كضربك ، ومعنى { لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } لأهلكوا ، ولكنه سبحانه لم يعجل لهم الشرّ فأمهلوا . وقيل معناه : أميتوا . وقرأ ابن عامر «لقضى » على البناء للفاعل ، وهي قراءة حسنة لمناسبة ذلك لقوله : { وَلَوْ يُعَجّلُ الله } قوله : { فَنَذَرُ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } الفاء للعطف على مقدّر يدلّ عليه الكلام ، لأن قوله : { وَلَوْ يُعَجّلُ الله } يتضمن نفي التعجيل ، فكأنه قيل : لكن لا يعجل لهم الشرّ ، ولا يقضي إليهم أجلهم ، فنذرهم الخ : أي فنتركهم ونمهلهم ، والطغيان : التطاول ، وهو العلوّ والارتفاع ، ومعنى { يَعْمَهُونَ } يتحيرون ، أي نتركهم يتحيرون في تطاولهم وتكبرهم ، وعدم قبولهم للحق استدراجاً لهم منه سبحانه وخذلاناً .

/خ16