محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (11)

ولما بيّن تعالى وعيده الشديد ، أتبعه بما دل على أن من حقه أن يتأخر عن هذه الحياة الدنيوية ، لأن حصوله في الدنيا كالمانع من بقاء التكليف ، فقال تعالى :

/ [ 11 ] { * ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون 11 } .

{ ولو يعجل الله للناس } وهم الذين لا يرجون لقاءه تعالى لكفرهم { الشر } أي الذين كانوا يستعجلون به ، فإنهم كانوا يقولون{[4713]} : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } ونحو ذلك { استعجالهم بالخير } أي تعجيلا مثل استعجالهم الدعاء بالخير { لقضي إليهم أجلهم } أي لأميتوا وأهلكوا { فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون } أي في ضلالهم وشركهم يترددون .

لطيفة :

زعم الزمخشري أن معنى استعجالهم بالخير ، أي تعجيله لهم بالخير . وضع الأول موضع الثاني إشعارا بسرعة إجابته لهم ، وإسعافه بطلبتهم ، حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم . وعندي أنه صرف اللفظ الكريم عن ظاهره بلا داع ولا بلاغ فيه أيضا ، وإن توبع فيه الحرص على موافقة عامل المصدر له ليكونا من باب واحد - غير ضرويّ في العربية ، والشواهد كثيرة .

وجوز الرازيّ أن يكون { يعجل } أصله يستعجل . عدل عنه تنزيها للجانب الأقدس عن وصف طلب العجلة ، فوصف بتكوينها ووصف الناسي بطلبها ، لأنه الأليق .

ولعل الأليق أن { استعجالهم } مصدر لفعل دل عليه ما قبله ، والتقدير ، ولو يعجل الله للناس الشر الذي يستعجلون به استعجالهم . وإنما حذف إيجازا ، للعلم به . ويوافقه قوله تعالى{[4714]} : { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } فإنه في معنى ما هنا .


[4713]:[8 / الأنفال / 32].
[4714]:[17 / الإسراء / 11].