تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (11)

{ * وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ 11 وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ 12 وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ 13 } .

المفردات :

لقضي إليهم أجلهم : لانتهى الأجل الذي قدره الله لعذابهم وأميتوا جميعا وما أمهلوا لحظة واحدة .

لا يرجون لقاءنا : لا يتوقعون الرجوع إلينا لإنكارهم البعث .

في طغيانهم : الطغيان : مجاوزة الحد في الظلم والمراد هنا : إنكارهم البعث وتكذيب الرسل وارتكاب ما يترتب على ذلك من المفاسد والموبقات .

يعمهون : يترددون ويتحيرون .

التفسير :

11 { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ . . . } الآية .

تمهيد :

كان كفار مكة يتعجلون نزول العذاب بهم ؛ استهزاء بالنبي ، وتهكما بالعذاب ، واستهانة به . قال تعالى : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } . ( الأنفال : 32 ) .

فرد القرآن عليهم بقوله سبحانه : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } . ( الأنفال : 33 ) .

فهم يستعجلون نزول العذاب عند يأسهم أو قنوطهم من الهداية ؛ ولكن الله تعالى لا يعجل عقوبتهم في هذه الدنيا ، ويمنحهم الفرصة لعلهم أن يتوبوا ، أو يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله .

المعنى : ولو يعجل الله لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث ، ولا يتوقعون الرجوع إلى الله لو يعجل لهم العذاب الذي كانوا يستعجلون وقوعه بهم ، مثل : إسراعه الخير لهم عند استعجالهم به وطلبهم إياه .

{ لقضي إليهم أجلهم } .

أي : لأميتوا وأهلكوا في هذه الدنيا ، وما أمهلوا لحظة واحدة ؛ جزاء جرأتهم .

كما قال تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة } . ( فاطر : 45 ) .

ولكنه سبحانه يمهلهم ويملى لهم ، ولا يعجل لهم الشر الذي طلبوه .

{ فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون } .

أي : فنترك الذين لا يتوقعون لقاءنا يوم البعث ، ولا يصدقون بيوم القيامة فيما هم فيه من طغيان الكفر والتكذيب ، يترددون فيه متحيرين ، ولا نعجل لهم عذاب الاستئصال ؛ تكريما للنبي صلى الله عليه وسلم ، ونمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم ؛ إلزاما للحجة عليهم .

وقد روى الإمام الآلوسي : أن الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال : { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } . ( الأنفال : 32 ) .

وقال الإمام الرازي : «بين سبحانه في هذه الآية : أنهم لا مصلحة لهم في تعجيل إيصال الشر إليهم ؛ لأنه تعالى لو أرسل ذلك العقاب إليهم ؛ لماتوا وهلكوا ، ولا صلاح في إماتتهم ، فربما آمنوا بعد ذلك ، وربما خرج من أصلابهم من كان مؤمنا ، وذلك يقتضي ألا يعاجلهم بإيصال ذلك الشر » .

ومع أن الآية تشمل المشركين اشتمالا أوليا ، فإن العبرة فيها بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ فهي كذلك تشمل طائفة من الناس يتعجلون وقوع الشر بهم أو بأولادهم أو بأحبابهم في حالة الغضب أو الحزن منهم ؛ فيدعون على أنفسهم أو على أولادهم . والله تعالى من فضله ولطفه لا يعجل استجابتهم ، إذا دعوا على أنفسهم ، أو أموالهم وأولادهم بالشر في حالة ضجرهم وغضبهم ؛ لأنه سبحانه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك ؛ فلهذا لا يستجيب لهم في هذه الحالة ، مع أنه يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم ، أو لأموالهم أو أولادهم بالخير والبركة .

وقد اختار الإمام ابن كثير هذا الرأي في تفسيره ؛ فذهب إلى أن الآية تخص المسلم الذي يدعو على نفسه أو ولده في حال غضبه ، فلا يعجل الله إجابته ؛ لطفا منه ورحمة .

ثم قال الإمام ابن كثير :

ولكن لا ينبغي الإكثار من دعاء الإنسان على نفسه أو أولده ؛ كما في الحديث الذي رواه الحافظ أبو البزار في مسنده عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تدعوا على أنفسكم ، لا تدعوا على أولادكم لا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم ) .

وقال مجاهد في تفسير هذه الآية : هو قول الإنسان لولده أو ماله إذا غضب عليه : اللهم لا تبارك فيه والعنه ، فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب في ذلك لهم في الخير لأهلكهم . vi

وقال صلى الله عليه وسلم : ( إني سألت الله عز وجل ألا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه ) . vii

وقريب من هذا المعنى قوله تعالى : { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا } . ( الإسراء : 11 ) . أي : أن الإنسان إذا غضب أو انفعل من ولده ؛ فإنه يدعو عليه بالشر مثل : المرض أو الفقر ، وكان الأولى والأوفق أن يدعو له بالهداية والتوفيق والخير ، ولكن الإنسان عجول يتعجل في دعائه بالشر على أحبابه ، والله تعالى لا يعجل لعجلة العباد .

وقد ورد في هدى السنة النبوية : النهي عن دعاء الإنسان على ولده ؛ خشية أن تكون أبواب السماء مفتوحة ؛ فيستجاب الدعاء ، وينحرف الابن ، ويكون دعاء الأب سببا في فساد الابن .