في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

26

ولما بين زهادة أعراض الحياة الدنيا وهوانها على الله ؛ وأن ما يعطاه الفجار منها لا يدل على كرامة لهم عند الله ، ولا يشير إلى فلاح ؛ وأن الآخرة عند ربك للمتقين ، استطرد يبين مصير أولئك الذين قد ينالون تلك الأعراض ، وهم عمي عن ذكر الله ، منصرفون عن الطاعات التي تؤهلهم لرزق الآخرة المعد للمتقين :

( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين . وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون . حتى إذا جاءنا قال : يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين . فبئس القرين . ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ) . .

والعشى كلال البصر عن الرؤية ، وغالباً ما يكون عند مواجهة الضوء الساطع الذي لا تملك العين أن تحدق فيه ؛ أو عند دخول الظلام وكلال العين الضعيفة عن التبين خلاله . وقد يكون ذلك لمرض خاص . والمقصود هنا هو العماية والإعراض عن تذكر الرحمن واستشعار وجوده ورقابته في الضمير .

( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين ) . .

وقد قضت مشيئة الله في خلقة الإنسان ذلك . واقتضت أنه حين يغفل قلبه عن ذكر الله يجد الشيطان طريقه إليه ، فيلزمه ، ويصبح له قرين سوء يوسوس له ، ويزين له السوء . وهذا الشرط وجوابه هنا في الآية يعبران عن هذه المشيئة الكلية الثابتة ، التي تتحقق معها النتيجة بمجرد تحقق السبب ، كما قضاه الله في علمه .