الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

قرىء «ومن يعش » بضم الشين وفتحها . والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل : عش . وإذا نظر نظر العشى ولا آفة به قيل عشا . ونظيره : عرج ، لمن به الآفة . وعرج ، لمن مشى مشية العرجان من غير عرج . قال الحطيئة :

مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ***

أي : تنظر إليها نظر العشيّ لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء . وهو بَيِّنٌ في قول حاتم :

أَعْشُو إِذَا مَا جَارَتِي بَرَزَت *** حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي الْخُدْرُ

وقرىء «يعشوا » على أنّ من موصولة غير مضمنة معنى الشرط . وحق هذا القارىء أن يرفع نقيض . ومعنى القراءة بالفتح : ومن يعم { عَن ذِكْرِ الرحمن } وهو القرآن ، كقوله تعالى : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } [ البقرة : 18 ] وأما القراءة بالضم فمعناها : ومن يتعام عن ذكره ، أي : يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتغابى ، كقوله تعالى : { وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ } [ النمل : 14 ] { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } نخذله ونخل بينه وبين الشياطين ، كقوله تعالى : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء } [ فصلت : 25 ] ، { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين } [ مريم : 83 ] وقرىء «نقيض » أي : يقيض له الرحمن ويقيض له الشيطان .