فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

{ وَمَنْ يَعْشُ } يقال عشوت إلى النار قصدتها وعشوت عنها أي أعرضت عنها ، كما تقول : عدت إلى فلان وعدلت عنه ، أي ملت إليه وملت عنه كذا قال الفراء والزجاج وأبو الهيثم والأزهري ، وقال الخليل العشو النظر الضعيف ، وقال أبو عبيدة والأخفش . أن معنى { ومن يعش } ومن تظلم عينه وهو نحو قول الخليل ، وهذا على قراءة الجمهور من يعش بضم الشين من عشا يعشو ، وقرئ بفتح الشين يقال : عشى الرجل يعشى عشا إذا عمى ، وقال الجوهري : العشا مقصور مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار ، والمرأة عشوى ، وقرئ يعشو بالواو على أن من موصولة غير متضمنة معنى الشرط .

والمعنى من يعرض ويتعامى ويتجاهل ويتغافل { عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ } ولم يخف عقابه ولم يرد ثوابه ، وقيل : يول ظهره عن القرآن { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا } قرأ الجمهور بالنون ، وقرئ بالتحتية مبنيا للفاعل ، وقرأ ابن عباس بالتحتية مبنيا للمفعول ، ورفع الشيطان على النيابة والمعنى نسبب له جزاء على كفره شيطانا .

{ فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } أي ملازم له في الدنيا ، يمنعه من الحلال يبعثه على الحرام وينهاه عن الطاعة ويأمره بالمعصية ولا يفارقه . وقيل في الآخرة إذا قام من قبره قاله سعيد الجريري وقيل : فيهما قال القشيري : وهو الصحيح أو هو ملازم للشيطان لا يفارقه بل يتبعه في جميع أموره ويطيعه في كل ما يوسوس به إليه وقال الزجاج معنى الآية أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكم إلى أباطيل المضلين يعاقبه الله بشيطان يقيضه له حتى يضله ويلازمه قرينا فلا يهتدي مجازاة له حين آثر الباطل على الحق البيّن .

أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي ( أن قريشا قالت قيضوا لكل رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رجلا يأخذه فقيضوا لأبي طلحة ابن عبيد الله فأتاه وهو في القوم فقال أبو بكر : إلام تدعوني ؟ قال أدعوك إلى عبادة اللات والعزى ، قال أبو بكر وما اللات ؟ قال أولاد الله قال وما العزى ؟ قال بنات الله قال أبو بكر فمن أمهم ؟ فسكت طلحة فلم يجبه فقال لأصحابه أجيبوا الرجل فسكت القوم فقال طلحة ثم يا أبا بكر أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأنزل الله هذه الآية ) وثبت في صحيح مسلم وغيره أن مع كل مسلم قرين من الجن .