محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

{ ومن يعش عن ذكر الرحمن } أي يعرض عنه ، فلم يخفْ سطوته ولم يخش عقابه { نقيض له شيطانا فهو له قرين } أي نجعل له شيطانا يغويه ويضله عن السبيل القويم دائما ، لمقارنته له . قال القاشانيّ : قرئ { يعش } بضم الشين وفتحها : والفرق أن عشا يستعمل إذا نظر نظر العَشَ لعارض أو معتمدا ، من غير آفة في بصره . وعَشِيَ إذا إيف بصره . فعلى الأول معناه : ومن كان له استعداد صاف وفطرة سليمة لإدراك ذكر الرحمن ، أي القرآن النازل من عنده وفهم معناه . وعلم كونه حقا ، فتعامى عنه لغرض دنيوي وبغي وحسد ، أو لم يفهمه ولم يعلم حقيقته ، لاحتجابه بالغواشي الطبيعية ، واشتغاله باللذات الحسية عنه ، أو لاغتراره بدينه وما هو عليه من اعتقاده ومذهبه الباطل { نقيض له شيطانا } جنيّا فيغويه بالتسويل والتزيين لما انهمك فيه من اللذات ، وحرص عليه من الزخارف . أو بالشبه والأباطيل المغوية لما اعتكف عليه بهواه من دينه . أو إنسيا يغويه ويشاركه في أمره ويجانسه في طريقه ويبعده عن الحق . وعلى الثاني معناه . ومن إيف استعداده في الأصل ، وشقي في الأزل بعمى القلب عن إدراك حقائق الذكر ، وقصّر عن فهم معناه { نقيّض له شيطانا } من نفسه أو جنسه ، يقارنه في ضلالته وغوايته . انتهى .