قوله : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن } يقال : عشوت إلى النار : قصدتها ، وعشوت عنها : أعرضت عنها ، كما تقول : عدلت إلى فلان ، وعدلت عنه ، وملت إليه ، وملت عنه ، كذا قال الفراء ، والزجاج ، وأبو الهيثم ، والأزهري . فالمعنى : ومن يعرض عن ذكر الرحمن . قال الزجاج : معنى الآية أن من أعرض عن القرآن ، وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلين يعاقبه الله بشيطان يقيضه له حتى يضله ، ويلازمه قريناً له ، فلا يهتدى مجازاة له حين آثر الباطل على الحق البين . وقال الخليل : العشو : النظر الضعيف ، ومنه :
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره *** إذا الريح هبت والمكان جديب
والظاهر أن معنى البيت : القصد إلى النار لا النظر إليها ببصر ضعيف كما قال الخليل ، فيكون دليلاً على ما قدّمنا من أنه يأتي بمعنى : القصد ، وبمعنى : الإعراض ، وهكذا ما أنشده الخليل مستشهداً به على ما قاله من قول الحطيئة :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره *** تجد خير نار عندها خير موقد
فإن الظاهر أن معناه : تقصد إلى ضوء ناره ، لا تنظر إليها ببصر ضعيف . ويمكن أن يقال : إن المعنى في البيتين : المبالغة في ضوء النار وسطوعها ، بحيث لا ينظرها الناظر إلاّ كما ينظر من هو معشي البصر لما يلحق بصره من الضعف عندما يشاهده من عظم وقودها . وقال أبو عبيدة والأخفش : إن معنى { وَمَن يَعْشُ } ومن تظلم عينه ، وهو نحو قول الخليل ، وهذا على قراءة الجمهور { ومن يعش } بضم الشين من عشا يعشو . وقرأ ابن عباس ، وعكرمة : { ومن يعش } بفتح الشين ، يقال : عشي الرجل يعشى عشياً : إذا عمى ، ومنه قول الأعشى :
رأت رجلاً غايب الوافدين *** ومختلف الخلق أعشى ضريرا
وقال الجوهري : والعشا مقصور مصدر الأعشى : وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار ، والمرأة عشواء . وقرئ " يعشو " بالواو على أن " من " موصولة غير متضمنة معنى الشرط . قرأ الجمهور : { نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً } بالنون وقرأ السلمي ، وابن أبي إسحاق ، ويعقوب ، وعصمة عن عاصم ، والأعمش بالتحتية مبنياً للفاعل ، وقرأ ابن عباس بالتحتية مبنياً للمفعول ورفع شيطان على النيابة { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } أي : ملازم له لا يفارقه ، أو هو ملازم للشيطان لا يفارقه ، بل يتبعه في جميع أموره ، ويطيعه في كلّ ما يوسوس به إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.