الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

أخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن عثمان المخرمي ، أن قريشاً قالت : قيضوا لكل رجل رجلاً من أصحاب محمد يأخذه ، فقيضوا لأبي بكر رضي الله عنه طلحة بن عبيد الله ، فأتاه وهو في القوم ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : إلام تدعوني ؟ قال : أدعوك إلى عبادة اللات والعزى ! قال أبو بكر رضي الله عنه : وما اللات ؟ قال : ربنا . قال : وما العزى ؟ قال : بنات الله . قال أبو بكر رضي الله عنه : فمن أمهم ؟ فسكت طلحة ، فلم يجبه ، فقال طلحة لأصحابه : أجيبوا الرجل ، فسكت القوم ، فقال طلحة : قم يا أبا بكر ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فأنزل الله { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً } الآية .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { ومن يعش عن ذكر الرحمن } قال : يعمى قال ابن جرير هذا على قراءة فتح الشين .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، عن قتادة { ومن يعش } قال : يعرض { وإنهم ليصدونهم عن السبيل } قال : عن الدين { حتى إذا جاءنا } جميعاً هو وقرينه .

وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ « حتى إذا جاءنا » على معنى اثنين هو وقرينه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ومن يعش } الآية . قال : من جانب الحق ، وأنكره وهو يعلم أن الحلال حلال وأن الحرام حرام ، فترك العلم بالحلال والحق لهوى نفسه ، وقضى حاجته ، ثم أراد من الحرام ، قيض له شيطان .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر ، عن سعيد الجزري في قوله { نقيض له شيطاناً } قال : بلغنا أن الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره شفع بيده شيطان ، ولم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار ، فذلك حين يقول : { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين } قال : وأما المؤمن ، فيوكل به ملك حتى يقضى بين الناس ، أو يصير إلى الجنة .

وأخرج ابن حبان والبغوي وابن قانع والطبراني وابن مردويه ، عن شريك بن طارق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليس منكم أحد إلا ومعه شيطان قالوا : ومعك يا رسول الله ؟ قال : ومعي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم » .

وأخرج مسلم وابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً قالت : فغرت عليه فجاء ، فرأى ما أصنع ، " فقال ما لك يا عائشة أَغِرْت ؟ فقلت : وما لي لا يغار مثلي على مثلك ، فقال : أقد جاء شيطانك ؟ قلت : يا رسول الله ، أمعي شيطان ؟ قال : نعم ، ومع كل إنسان . قلت : ومعك ؟ قال : نعم ، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم " .

وأخرج مسلم وابن مردويه ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما منكم من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من الجن . قالوا : وإياك يا رسول الله ، قال : وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير » .

وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما منكم من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من الجن . قالوا : وإياك يا رسول الله ، قال : وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم » .

وأخرج أحمد في الزهد ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : ليس من الآدميين أحد إلا ومعه شيطان موكل به ، أما الكافر ، فيأكل معه من طعامه ويشرب معه من شرابه وينام معه على فراشه ، وأما المؤمن ، فهو يجانب له ، ينتظره حتى يصيب منه غفلة ، أو غرة ، فيثب عليه ، وأحب الآدميين إلى الشيطان ، الأكول النؤوم .