الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

ثم قال تعالى : جل ذكره : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } ، أي : ومن يعرض عن الإيمان بما{[61504]} أنزل الله عز وجل من كتابه . هذا قول قتادة ، وهو قول الفراء{[61505]} ، وقال المبراد : ( يَعشُ : يتعامى ){[61506]} .

ومنه قول الشاعر :

متى تأته{[61507]} تعْشو إلى ضوء ناره *** ( تجد خير نار عندها خير موقد{[61508]} ){[61509]}

وقيل : معنى ( يعش : يعم ){[61510]} ، روي ذلك عن ابن عباس{[61511]} .

ولا يصح على هذا المعنى ( إلا بفتح ){[61512]} الشين .

يقال : عشى يعشى عشى ، إذ قرب من العمى .

والأعشى{[61513]} : الذي قد ركب بصره ضُعْفٌ وظلمة . ومنه يقال : جاء فلان إلى فلان يعشو ، إذا جاءه ليلا لما يركب بصره من الظلمة .

وعلى ذلك أيضا يتأول قول الشاعر .

متى تأته{[61514]} تعشو إلى ضوء ناره *** ( تجد خير نار عندها خير موقد{[61515]} ) .

أي : متى تأتيه{[61516]} ليلا .

وحكى بعض أهل اللغة : عشى عن ذكر الله ، إذ لم ينتفع به ، كما أن الأعشى لا ينتفع بكل بصره في الضوء{[61517]} .

ويقال : عشى يعشى ، إذا صار أعشى . وعشا يعشو إذا لحقه ما يلحق الأعشى ، وهو من{[61518]} ذوات الواو لقولهم : امرأة{[61519]} عشواء{[61520]} . فاليا هي عشى منقلبة من واو . ولذلك قال النحويون : العشا في البصر يكتب بالألف .

فتحقيق معنى الآية : ومن لا ينظر في حجج الله عز وجل وأدلته ييسر{[61521]} الله له شيطانا ، فهو له{[61522]} قرين .

قال قتادة : إذا أعرض عن ذكر الله سبحانه يقيض له{[61523]} الله عز وجل قرينا من الشياطين{[61524]} . قال السدي : ومن يعش : من يعرض{[61525]} .

وقال ابن عباس وابن زيد : ومن يعش : يعم{[61526]} .


[61504]:(ت): مما.
[61505]:انظر معاني الفراء 3/32.
[61506]:(ح): يتعاموا. وانظر إعراب النحاس 4/109.
[61507]:(ح): تأتيه. ولعل خطأ لأنه مجزوم بحذف حرف العلة.
[61508]:ساقط من (ح).
[61509]:هذا البيت للحطيئة، وهو من قصيدة مدح بها بغيض بن عامر التميمي. وهو من البحر الطويل. انظر ديوان الحطيئة 51، والكتاب 3/86، ومجاز أبي عبيدة 2/204 ومعاني الأخفش 2/689، ومشكل القرآن وغريبه 2/123، وخزانة الأدب 3/74.
[61510]:(ت): يعشيهم.
[61511]:انظر الدر المنثور 7/378.
[61512]:(ح): أن يفتح.
[61513]:(ح): والأعش.
[61514]:(ح): تأتيه ولعله خطأ انظر تعليله قبل.
[61515]:ساقط من (ح).
[61516]:(ح): تأتيه. ولعله خطأ. انظر تعليله قبل.
[61517]:انظر إعراب النحاس 4/110.
[61518]:(ح): مثل.
[61519]:ساقط من (ت).
[61520]:انظر إعراب النحاس 4/110.
[61521]:(ح): يبسير.
[61522]:(ح): للشيطان.
[61523]:ساقط من (ح).
[61524]:(ت): الشيطان.
[61525]:انظر جامع البيان 25/44، ونسب القرطبي في جامعه هذا القول إلى قتادة 16/90.
[61526]:(ح): من يعم. وهذا القول أورده الطبري في جامع البيان عن ابن زيد فقط 25/44.