الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

وقوله عزَّ وجلَّ : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن } الآية ، وعَشَا يَعْشُو معناه : قَلَّ الإبصارُ منه ، ويقال أيضاً : عَشِيَ الرجلُ يعشى : إذا فَسَدَ بَصَرُه ، فلم يَرَ ، أَو لَمْ يَرَ إلاَّ قليلاً ، فالمعنى في الآية : ومَنْ يَقِلُّ بَصَرُهُ في شرع اللَّه ، ويغمضُ جفونه عن النَّظَرِ في ذِكْرِ الرحمن ، أي : فيما ذكَّر به عباده ، أي : فيما أنزله من كتابه ، وأوحاه إلى نَبِيِّه .

وقوله : { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } أي : نُيَسِّرْ له ، ونُعِدَّ ، وهذا هو العقاب على الكفر بالحتم وعدمِ الفلاحِ ، وهذا كما يقال : إنَّ اللَّه تعالى يُعَاقِبُ على المعصية بالتزيُّد في المعاصي ، ويجازي على الحسنة بالتزيُّد من الحَسَنَاتِ ، وقد روي هذا المعنى مرفوعاً . قال ( ص ) : { وَمَن يَعْشُ } الجمهور بضم الشين ، أي : يَتَعَامَ ويتجاهَلْ ، ف { مَنْ } شرطيةٌ ، و{ يَعْشُ } مجزومٌ بها ، و{ نُقَيِّضْ } جوابُ { مَنْ } ، انتهى .