تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

وذكر تعالى حال الناس ، عند ركوبهم البحر ، وغشيان الأمواج كالظل{[675]}  فوقهم ، أنهم يخلصون الدعاء [ للّه ]{[676]}  والعبادة : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ } انقسموا فريقين :

فرقة مقتصدة ، أي : لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال ، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم .

وفرقة كافرة بنعمة اللّه ، جاحدة لها ، ولهذا قال : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ }{[677]}  أي غدار ، ومن غدره ، أنه عاهد ربه ، لئن أنجيتنا من البحر وشدته ، لنكونن من الشاكرين ، فغدر ولم يف بذلك ، { كَفُور } بنعم اللّه . فهل يليق بمن نجاهم اللّه من هذه الشدة ، إلا القيام التام بشكر نعم اللّه ؟


[675]:- في ب: كالظلل.
[676]:- زيادة من ب.
[677]:- كذا في ب، وزاد في أ: قوله تعالى: "كفور".
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

قوله تعالى : { وإذا غشيهم موج كالظلل } قال مقاتل : كالجبال . وقال الكلبي : كالسحاب . والظل جمع الظلة شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها ، وجعل الموج ، وهو واحد ، كالظلل وهي جمع ، لأن الموج يأتي منه شيء بعد شيء ، { دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } أي : عدل موف في البر بما عاهد الله عليه في البحر من التوحيد له ، يعني : ثبت على إيمانه . قيل : نزلت في عكرمة بن أبي جهل هرب عام الفتح إلى البحر فجاءهم ريح عاصف ، فقال عكرمة : لئن أنجانا الله من هذا لأرجعن إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولأضعن يدي في يده ، فسكنت الريح ، فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه . وقال مجاهد : فمنهم مقتصد في القول مضمر الكفر . وقال الكلبي : مقتصد في القول ، أي : من الكفار ، لأن بعضهم كان أشد قولاً وأعلى في الافتراء من بعض ، { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور } والختر أسوأ الغدر .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

قوله تعالى : " وإذا غشيهم موج كالظلل " قال مقاتل : كالجبال . وقال الكلبي : كالسحاب . وقاله قتادة جمع ظلة ، شبه الموج بها لكبرها وارتفاعها . قال النابغة في وصف بحر :

يماشيهن أخضر ذو ظلال *** على حافاته فِلَقُ الدِّنان

وإنما شبه الموج وهو واحد بالظل وهو جمع ؛ لأن الموج يأتي شيئا بعد شيء ويركب بعضه بعضا كالظلل . وقيل : هو بمعنى الجمع ، وإنما لم يجمع لأنه مصدر . وأصله من الحركة والازدحام ، ومنه : ماج البحر ، والناس يموجون . قال كعب :

فجئنا إلى موج من البحر وسطه *** أحابيش منهم حاسر ومقنع

وقرأ محمد ابن الحنفية : " موج كالظلال " جمع ظل . " دعوا الله مخلصين له الدين " موحدين له لا يدعون لخلاصهم سواه ، وقد تقدم{[12625]} . " فلما نجاهم " يعني من البحر . " إلى البر فمنهم مقتصد " قال ابن عباس : موف بما عاهد عليه الله في البحر . النقاش : يعني عدل في العهد ، وفي في البر بما عاهد عليه الله في البحر . وقال الحسن : " مقتصد " مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة . وقال مجاهد : " مقتصد " في القول مضمر للكفر . وقيل : في الكلام حذف . والمعنى : فمنهم مقتصد ومنهم كافر . ودل على المحذوف قوله تعالى : " وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور " الختار : الغدار . والختر : أسوأ الغدر . قال عمرو بن معد يكرب :

فإنك لو رأيت أبا عمير *** ملأت يديك من غدْر وخَتْر

وقال الأعشى :

بالأبلَقِ الفَرْدِ من تيماء منزلُه *** حصنٌ حصين وجارٌ غير خَتَّار

قال الجوهري : الختر الغدر . يقال : ختره فهو ختار . الماوردي : وهو قول الجمهور . وقال عطية : إنه الجاحد . ويقال : ختر يختِر ويختُر ( بالضم والكسر ) خترا . ذكره القشيري . وجحد الآيات إنكار أعيانها . والجحد بالآيات إنكار دلائلها .


[12625]:راجع ج 8 ص 325.