تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

{ 16-17 } { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات في الدار الآخرة ، كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها ، والاستكانة لعظمته ، فعاتب الله المؤمنين [ على عدم ذلك ] ، فقال : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ }

أي : ألم يجئ{[983]}  الوقت الذي تلين به قلوبهم{[984]}  وتخشع لذكر الله ، الذي هو القرآن ، وتنقاد لأوامره وزواجره ، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى ، ولما أنزله من الكتاب والحكمة ، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية والأحكام الشرعية كل وقت ، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك ، { وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ } أي : ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام ، ثم لم يدوموا عليه ، ولا ثبتوا ، بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة ، فاضمحل إيمانهم وزال إيقانهم ، { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل له الله ، وتناطق بالحكمة ، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك ، فإن ذلك{[985]}  سبب لقسوة القلب وجمود العين .


[983]:- في ب: ألم يأت.
[984]:- في ب: الذي به تلين قلوبكم.
[985]:- في ب: فإنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ألم يأت وقته يقال أني الأمر يأني أنيا وأنا إذا جاء إناه وقرئ ألم يئن بكسر الهمزة وسكون النون من آن يئين بمعنى أتى وألما يأن روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت وما نزل من الحق أي القرآن وهو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله وقرأ نافع وحفص ويعقوب نزل بالتخفيف وقرئ أنزل ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل عطف على تخشع وقرأ رويس بالتاء والمراد النهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهم بقوله فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم أي فطال عليهم الأجل لطول أعمارهم وآمالهم أو ما بينهم وبين أنبيائهم فقست قلوبهم وقرئ الأمد وهو الوقت الأطول وكثير منهم فاسقون خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

وقوله تعالى : { ألم يأن } الآية ابتداء معنى مستأنف ، وروي أنه كثر المزاح والضحك في بعض تلك المدة في قوم من شبان المسلمين فنزلت هذه الآية . وقال ابن مسعود : مل الصحابة ملة فنزلت الآية . ومعنى : { ألم يأن } ألم يحن ، ويقال : أنى الشيء يأني ، إذا حان ومنه قول الشاعر : [ الوافر ]

تمخضت المنون له بيوم . . . أنى ولكل حاملة تمام{[10976]}

وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «ألما يأن » . وروي عنه أنه قرأ «ألم يين » .

وهذه الآية على معنى الحض والتقريع ، قال ابن عباس : عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن ، وسمع الفضل بن موسى قارئاً يقرأ هذه الآية ، والفضل يحاول معصية ، فكانت الآية سبب توبته . وحكى الثعلبي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه ، فإذا به قد نطق بهذه الآية ، فتاب ابن المبارك وكسر العود وجاءه التوفيق{[10977]} . والخشوع : الإخبات والتطامن ، وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب ، فلذلك خص تعالى القلب بالذكر . وروى شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أول ما يرفع من الناس الخشوع »{[10978]} .

وقوله تعالى : { لذكر الله } أي لأجل ذكر الله ووحيه الذي بين أظهرهم ، ويحتمل أن يكون المعنى : لأجل تذكير الله إياهم وأوامره فيهم .

وقرأ عاصم في رواية حفص ونافع : «وما نزَل » مخفف الزاي . وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم : «نزّل » بشد الزاي على معنى : نزّل الله من الحق . وقرأ أبو عمرو في رواية عباس وهي قراءة الجحدري وابن القعقاع : «نزِّل » بكسر الزاي وشدها . وقرأ نافع وأبو عمرو والأعرج وأبو جعفر : «ولا يكونوا » بالياء على ذكر الغيب .

وقرأ حمزة فيما روى عنه سليم : ولا تكونوا «بالتاء على مخاطبة الحضور .

والإشارة في قوله : { أوتوا الكتاب } إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى عليه السلام ، وذلك قال : { من قبل } وإنما شبه أهل عصر نبي بأهل عصر نبي . و : { الأمد } قيل معناه : أمد انتظار الفتح ، وقيل أمد انتظار القيامة وقيل أمد الحياة . و : { قست } معناه : صلبت وقل خيرها وانفعالها للطاعات وسكنت إلى معاصي الله ، ففعلوا من العصيان والمخالفة ما هو مأثور عنهم .


[10976]:هذا البيت في اللسان غير منسوب، وفي التاج منسوبا إلى عمرو بن حسان بن ثابت، وتمخض: تحرك وتهيأ، والمنون: المنية، وأنى: حان، يقول: إن المنون أتت له بهذا اليوم الذي لابد أن يأتي، وقد أدرك وبلغ كما أن كل حاملة لابد أن يتم حملها.
[10977]:ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك المروزي، من بني حنظلة، وحكاية الثعلبي بهذه الصيغة غير منطقية ولا صحيحة، ولهذا جاءت في بعض النسخ بصيغة أخرى هي: "حرك العود ليضربه فسمع قارئا ينطق بهذه الآية..." الخ.
[10978]:أخرجه الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس، وقد رمز له الإمام السيوطي في الجامع الصغير بأنه حديث حسن، وزاد في الدر المنثور نسبته إلى ابن المنذر، وعبد بن حميد. وعبد الرزاق.