{ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ } البرق في تلك الظلمات { مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أي : وقفوا .
فهكذا حال{[60]} المنافقين ، إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ، جعلوا أصابعهم في آذانهم ، وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده ، فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده ، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم ، ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد ، ويجعل{[61]} أصابعه في أذنيه{[62]} خشية الموت ، فهذا تمكن له{[63]} السلامة . وأما المنافقون فأنى لهم السلامة ، وهو تعالى محيط بهم ، قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه ، بل يحفظ عليهم أعمالهم ، ويجازيهم عليها أتم الجزاء .
ولما كانوا مبتلين بالصمم ، والبكم ، والعمى المعنوي ، ومسدودة عليهم طرق الإيمان ، قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أي : الحسية ، ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية ، ليحذروا ، فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم ، { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فلا يعجزه شيء ، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض .
وفي هذه الآية وما أشبهها ، رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى ، لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله : { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
ثم قال : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي : لشدته وقوته في نفسه ، وضعف بصائرهم ، وعدم ثباتها للإيمان .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } يقول : يكاد مُحْكَمُ القرآن يدل على عورات المنافقين .
وقال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي لشدة ضوء الحق ، { كلما أضاء لهم مشوا فيه وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا{[1325]} به واتبعوه ، وتارة تعْرِض لهم الشكوك أظلمت قلوبَهم فوقفوا حائرين .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ } يقول : كلما أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا إليه ، وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر ، كقوله : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ [ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ]{[1326]} } الآية [ الحج : 11 ] .
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أي : يعرفون الحق ويتكلمون به ، فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه{[1327]} إلى الكفر { قَامُوا } أي : متحيرين .
وهكذا قال أبو العالية ، والحسن البصري ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والسدي بسنده ، عن الصحابة وهو أصح وأظهر . والله أعلم .
وهكذا يكونون{[1328]} يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم ، فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ ، وأكثر من ذلك وأقل من ذلك ، ومنهم من يطْفَأ نوره تارة ويضيء له أخرى ، فيمشي{[1329]} على الصراط تارة ويقف أخرى . ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخُلَّص من المنافقين ، الذين قال تعالى{[1330]} فيهم : { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا } [ الحديد : 13 ] وقال في حق المؤمنين : { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ } الآية [ الحديد : 12 ] ، وقال تعالى : { يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ التحريم : 8 ] .
قال سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة في قوله تعالى : { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } الآية [ الحديد : 12 ] ، ذكر لنا أن النبي{[1331]} صلى الله عليه وسلم كان يقول : " من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن ، أو بين{[1332]} صنعاء ودون ذلك ، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه " . رواه ابن جرير .
ورواه ابن أبي حاتم من حديث عمران بن دَاوَر{[1333]} القطان ، عن قتادة ، بنحوه .
وهذا كما قال المِنْهَال بن عمرو ، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يرى{[1334]} نوره كالنخلة ، ومنهم من يرى{[1335]} نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نورًا على إبهامه يطفأ مرة ويَقِد{[1336]} مرة .
وهكذا رواه ابن جرير ، عن ابن مُثَنَّى ، عن ابن إدريس ، عن أبيه ، عن المنهال .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافسي{[1337]} حدثنا ابن إدريس ، سمعت أبي يذكر عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود : { نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } [ التحريم : 8 ] قال : على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، وأدناهم نورًا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ أخرى .
وقال ابن أبي حاتم أيضًا : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا أبو يحيى الحِمَّاني ، حدثنا عُتْبَةُ{[1338]} بن اليقظان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ليس أحد من أهل التوحيد إلا يعطى نورًا يوم القيامة ، فأما المنافق فيطفأ نوره ، فالمؤمن مشفق مما يرى من إطفاء نور المنافقين ، فهم يقولون : ربنا أتمم لنا نورنا .
وقال الضحاك بن مزاحم : يعطى كل من كان يظهر الإيمان في الدنيا يوم القيامة نورًا ؛ فإذا انتهى إلى الصراط طفئ نور المنافقين ، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا ، فقالوا : " ربنا أتمم لنا نورنا " .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
قال أبو جعفر : وإنما خص جل ذكره السمع والأبصار بأنه لو شاء أذهبها من المنافقين دون سائر أعضاء أجسامهم للذي جرى من ذكرها في الاَيتين ، أعني قوله : يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ وقوله : يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كُلّما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ فجرى ذكرها في الاَيتين على وجه المثل . ثم عقب جل ثناؤه ذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم ، وعيدا من الله لهم ، كما توعدهم في الآية التي قبلها بقوله : وَاللّهُ مُحِيطٌ بالكافرِينَ واصفا بذلك جل ذكره نفسه أنه المقتدر عليهم وعلى جمعهم ، لإحلال سخطه بهم ، وإنزال نقمته عليهم ، ومحذرهم بذلك سطوته ، ومخوّفهم به عقوبته ، ليتقوا بأسه ، ويسارعوا إليه بالتوبة . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَلَوْ شاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهمْ وأبْصَارِهِمْ لما تركوا من الحق بعد معرفته .
وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، قال : ثم قال يعني قال الله في أسماعهم يعني أسماع المنافقين وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس : وَلَوْ شاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ .
قال أبو جعفر : وإنما معنى قوله : لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ لأذهب سمعهم وأبصارهم ، ولكن العرب إذا أدخلوا الباء في مثل ذلك قالوا : ذهبت ببصره ، وإذا حذفوا الباء قالوا : أذهبت بصره ، كما قال جل ثناؤه : آتنا غَدَاءَنَا ولو أدخلت الباء في الغداء لقيل : ائتنا بغدائنا .
قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ فوحد ، وقال : وأبْصَارِهِمْ فجمع ؟ وقد علمت أن الخبر في السمع خبر عن سمع جماعة ، كما الخبر في الأبصار خبر عن أبصار جماعة ؟ قيل : قد اختلف أهل العربية في ذلك ، فقال بعض نحويي الكوفي : وحد لسمع لأنه عنى به المصدر وقصد به الخرق ، وجمع الأبصار لأنه عنى به الأعين . وكان بعض نحويي البصرة يزعم أن السمع وإن كان في لفظ واحد فإنه بمعنى جماعة ، ويحتجّ في ذلك بقول الله : لا يَرْتَدّ إلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ يريد لا ترتد إليهم أطرافهم ، وبقوله : وَيُوَلونَ الدّبُرَ يراد به أدبارهم . وإنما جاز ذلك عندي لأن في الكلام ما يدلّ على أنه مراد به الجمع ، فكان فيه دلالة على المراد منه ، وأداء معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة مغنيا عن جِماعِهِ ، ولو فعل بالبصر نظير الذي فعل بالسمع ، أو فعل بالسمع نظير الذي فعل بالأبصار من الجمع والتوحيد ، كان فصيحا صحيحا لما ذكرنا من العلة كما قال الشاعر :
كُلُوا في بَعْضِ بَطْنكُمْو تَعِفّوا *** فإنّ زَمانَنا زَمَنٌ خَمِيصُ
فوحد البطن ، والمراد منه البطون لما وصفنا من العلة .
القول في تأويل قوله تعالى : إنّ اللّهَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِير .
قال أبو جعفر : وإنما وصف الله نفسه جل ذكره بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع ، لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير ، ثم قال : فاتقوني أيها المنافقون واحذروا خداعي وخداع رسولي وأهل الإيمان بي لا أحل بكم نقمتي فإني على ذلك وعلى غيره من الأشياء قدير . ومعنى قدير : قادر ، كما معنى عليم : عالم ، على ما وصفت فيما تقدم من نظائره من زيادة معنى فعيل على فاعل في المدح والذم .
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 20 )
ويكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي ، فهنا لم يخطف البرق الأبصار ، والخطف الانتزاع بسرعة .
واختلفت القراءة في هذه اللفظة( {[316]} ) فقرأ جمهور الناس : «يَخْطَف أبصارهم » بفتح الياء والطاء وسكون الخاء ، على قولهم في الماضي خطف بكسر الطاء وهي أفصح لغات العرب ، وهي القرشية .
وقرأ علي بن الحسين ويحيى بن وثاب : «يَخْطِف » بفتح الياء وسكون الخاء وكسر الطاء على قول بعض العرب في الماضي «خَطَف » بفتح الطاء ، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى الحسن وأبي رجاء ، وذلك وهم .
وقرأ الحسن وأبو رجاء وعاصم الجحدري وقتادة : «يَخِطِّف » بفتح الياء وكسر الخاء والطاء وتشديد الطاء ، وهذه أصلها «يختطف » أدغمت التاء في الطاء وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين .
وحكى ابن مجاهد قراءة لم ينسبها إلى أحد «يَخَطِّف » بفتح الياء والخاء وتشديد الطاء المكسورة .
قال أبو الفتح : «أصلها يختطف نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت التاء في الطاء » .
وحكى أبو عمرو الداني عن الحسن أيضاً ، أنه قرأ «يَخَطَّف » بفتح الياء والخاء والطاء وشدها .
وروي أيضاَ عن الحسن والأعمش «يخطِّف » بكسر الثلاثة وشد الطاء منها . وهذه أيضاً أصلها يختطف أدغم وكسرت الخاء للالتقاء وكسرت الياء إتباعاً .
وقال عبد الوارث : «رأيتها في مصحف أبي بن كعب » يَتَخَطَّف «بالتاء بين الياء والخاء » .
وقال الفراء : «قرأ بعض أهل المدينة بفتح الياء وسكون الخاء وشد الطاء مكسورة » .
قال أبو الفتح : «إنما هو اختلاس وإخفاء فيلطف عندهم فيرون أنه إدغام ، وذلك لا يجوز » .
قال القاضي أبو محمد : لأنه جمع بين ساكنين دون عذر .
وحكى الفراء قراءة عن بعض الناس بضم الياء وفتح الخاء وشد الطاء مكسورة .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : كأنه تشديد مبالغة لا تشديد تعدية .
ومعنى : { يكاد البرق يخطف أبصارهم } تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم ، ومن جعل { البرق } في المثل الزجر والوعيد قال يكاد ذلك يصيبهم .
و { كلما } ظرف( {[317]} ) ، والعامل فيه { مشوا } وهو أيضاً جواب { كلما } ، و { أضاء } صلة ما ، ومن جعل { أضاء } يتعدى قدر له مفعولاً ، ومن جعله بمنزلة ضاء استغنى عن ذلك .
وقرأ ابن أبي عبلة : «أضا لهم » بغير همز ، وهي لغة .
وفي مصحف أبي بن كعب : «مروا فيه » .
وفي قراءة ابن مسعود «مضوا فيه » .
وفي الضحاك : «وإذا أُظلِم » بضم الهمزة وكسر اللام ، و { قاموا } معناه ثبتوا ، لأنهم كانوا قياماً ، ومنه قول الأعرابي : «وقد أقام الدهر صعري بعد أن أقمت صعره »( {[318]} ) يريد أثبت الدهر ، ومعنى الآية فيما روي عن ابن عباس وغيره كلما سمع المنافقون القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه ، فإذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم .
وروي عن ابن مسعود أن معنى الآية : كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد دين مبارك . وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوه وثبتوا في نفاقهم . ( {[319]} )
وقال قوم : معنى الآية : كلما خفي عليكم نفاقهم وظهر لكم منهم الإيمان مشوا فيه ، فإذا افتضحوا عندكم قاموا ، ووحد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع .
وحكى النقاش أن من العلماء من قرأ بأسماعهم .
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة : «ولو شاء الله لأذهب أسماعهم وأبصارهم » وخص الأسماع والأبصار لتقدم ذكرها في الآية . ويشبه هذا المعنى في حال المنافقين أن الله لو شاء لأوقع بهم ما يتخوفونه من الزجر والوعيد أو لفضحهم عند المؤمنين وسلط المؤمنين عليهم ، وبكل مذهب من هذين قال قوم .
وقوله تعالى : { على كل شيء } لفظه العموم ومعناه عند المتكلمين على كل شيء يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه( {[320]} ) و { قدير } بمعنى قادر ، وفيه مبالغة ، وخص هنا صفته التي هي القدرة بالذكر لأنه قد تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والإخافة ، فكان ذكر القدرة مناسباً لذلك .