تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

{ 18 } { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ }

أي : فهل ينظر هؤلاء المكذبون أو ينتظرون { إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } أي : فجأة ، وهم لا يشعرون { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } أي : علاماتها الدالة على قربها .

{ فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } أي : من أين لهم ، إذا جاءتهم الساعة وانقطعت آجالهم أن يتذكروا ويستعتبوا ؟ قد فات ذلك ، وذهب وقت التذكر ، فقد عمروا ما يتذكر فيه من تذكر ، وجاءهم النذير .

ففي هذا الحث على الاستعداد قبل مفاجأة الموت ، فإن موت الإنسان قيام ساعته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

16

ومن ثم يعود بعد هذه اللفتة إلى الحديث عن أولئك المنافقين المطموسين الغافلين ، الذين يخرجون من مجلس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولم يعوا مما قال شيئا ينفعهم ويهديهم . ويستجيش قلوبهم للتقوى ، ويذكرهم بما ينتظر الناس من حساب وجزاء :

( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ? فقد جاء أشراطها . فأنى لهم - إذا جاءتهم - ذكراهم ? ) .

وهي جذبة قوية تخرج الغافلين من الغفلة بعنف ، كما لو أخذت بتلابيب مخمور وهززته هزا !

ماذا ينتظر هؤلاء الغافلون الذين يدخلون مجالس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ويخرجون منها ، غير واعين ، ولا حافظين ، ولا متذكرين ? ماذا ينتظرون ? ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ? ) . . فتفجأهم وهم سادرون غارون غافلون .

هل ينظرون إلا الساعة ? ( فقد جاء أشراطها ) . ووجدت علاماتها . والرسالة الأخيرة أضخم هذه العلامات ، فهي إيذان بأنها النذارة الأخيرة قرب الأجل المضروب . وقد قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " بعثت أنا والساعة كهاتين " وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها . وإذا كان الزمن يلوح ممتدا منذ هذه الرسالة الأخيرة ؛ فإن أيام الله غير أيامنا . ولكنها في حساب الله قد جاءت الأشراط الأولى ؛ وما عاد لعاقل أن يغفل حتى تأخذه الساعة بغتة حيث لا يملك صحوا ولا ذكرا :

( فأنى لهم - إذا جاءتهم - ذكراهم ? ) . .

إنها الهزة القوية العنيفة التي تخرج الغافلين من غفلتهم ؛ والتي تتفق كذلك مع طابع السورة العنيف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

وقوله تعالى : { فهل ينظرون } يريد المنافقين ، والمعنى : { فهل ينظرون } أي هكذا هو الأمر في نفسه وإن كانوا هم في أنفسهم ينتظرون غير ذلك ، فإن ما في أنفسهم غير مراعى ، لأنه باطل .

وقرأ جمهور الناس : «أن تأتيهم » ف { أن } بدل من { الساعة } . وقوله تعالى على هذه القراءة . { فقد جاء أشراطها } إخبار مستأنف والفاء عاطفة جملة من الكلام على جملة . وقرأ أهل مكة فيما روى الرؤاسي «إن تأتهم » بكسر الألف وجزم الفعل على الشرط ، والفاء في قوله : { فقد جاء أشراطها } جواب الشرط{[10363]} وليست بعاطفة على القراءة الأولى فثم نحو من معنى الشرط ، و . { بغتة } معناه : فجأة ، وروي عن أبي عمرو «بغَتّة » بفتح الغين وشد التاء . وقوله : { فقد جاء أشراطها } على القراءتين معناه : فينبغي أن يقع الاستعداد والخوف منها لمن جزم ونظر لنفسه . والذي جاء من أشراط الساعة محمد عليه السلام لأنه آخر الأنبياء ، فقد بان من أمر الساعة قدر ما ، وفي الحديث عنه عليه السلام أنه قال : «أنا من أشراط الساعة{[10364]} وقد بعثت أنا والساعة كهاتين{[10365]} وكفرسي رهان » . ويقال شرط وشرط : بسكون الراء وتخفيفها ، وأشرط الرجل نفسه : ألزمها أموراً . وقال أوس بن حجر : [ الطويل ]

فأشرط فيها نفسه وهو معصم . . . وألقى بأسباب له وتوكلا{[10366]}

وقوله تعالى : { فأنى لهم } الآية ، يحتمل أن يكون المعنى : { فأنى لهم } الخلاص أو النجاة { إذ جاءتهم } الذكرى بما كانوا يخبرون به في الدنيا فيكذبون به وجاءهم العذاب مع ذلك . ويحتمل أن يكون المعنى : فأنى لهم ذكراهم وعملهم بحسبها إذا جاءتهم الساعة ، وهذا تأويل قتادة ، نظيره : { وأنى لهم التناوش من مكان بعيد }{[10367]} [ سبإ : 52 ] .


[10363]:?????
[10364]:وعلى هذه القراءة يكون الوقف على[الساعة]، ويبدأ بالشرط كلام جديد.
[10365]:في مسند الإمام أحمد، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ست من أشراط الساعة: موتي، وفتح بيت المقدس، وموت يأخذ في الناس كقعاص الغنم، وفتنة يدخل حربها بيت كل مسلم...الخ)، أما الحديث باللفظ الذي ذكره ابن عطية فلم أقف عليه.
[10366]:قال أوس هذا البيت من قصيدته الطويلة التي بدأها بقوله:(صحا قلبه عن سكره فتأملا)...والشاعر في هذا البيت يصف رجلا تدلى بحبل من رأس جبل إلى نبعة- شجرة من أشجار الجبال تُتَّخذ منها القسي- أراد أن يقطعها ليتخذ لنفسه منها قوسا، ومعنى(أشراط نفسه): جعلها علما للموت، أي علامة على الموت وبداية له، وقد سمي الشرط شُرطا لأنهم يُقدمون على غيرهم من الجند فهم أوائل الجند، ولهم علامات تدل عليهم، وقال في شرح شواهد الشافية:"ويقال: أشرط نفسه في الأمر أي خاطر بها"، والمُعصم والمعتصم واحد، وهو المتعلق بحبل، والأسباب: الحبال، واحدها سبب، وتوكلا: اعتمدا على الله. والبيت في الديوان، ولسان العرب، والطبري، والقرطبي.
[10367]:من الآية (52) من سورة (سبأ)، ومعنى قول قتادة: أنى لهم أن يتذكروا ويعرفوا ويعقلوا ويتوبوا إذا جاءتهم الساعة؟ أي: قد فات ذلك. وعلى هذا تكون[ذكراهم] ابتداء و{أنى لهم} الخبر، أما على الرأي الأول الذي ذكره ابن عطية فالمبتدأ محذوف، والتقدير: فأنى لهم الخلاص إذا جاءتهم الذكرى؟.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فهل ينظر هؤلاء المكذّبون بآيات الله من أهل الكفر والنفاق إلا الساعة التي وعد الله خلقه بعثهم فيها من قبورهم أحياء، أن تجيئهم فجأة لا يشعرون بمجيئها. والمعنى: هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. وقوله:"فَقَدْ جاءَ أشْرَاطُها" يقول: فقد جاء هؤلاء الكافرين بالله الساعة وأدلتها ومقدّماتها...

وقوله: "فأنى لَهُمْ إذَا جآءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ "يقول تعالى ذكره: فمن أيّ وجه لهؤلاء المكذّبين بآيات الله ذكرى ما قد ضيّعوا وفرّطوا فيه من طاعة الله إذا جاءتهم الساعة، يقول: ليس ذلك بوقت ينفعهم التذكر والندم، لأنه وقت مجازاة لا وقت استعتاب ولا استعمال.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ما ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة، لكن لا ينفعهم الإيمان في ذلك الوقت...

.

{فقد جاء أشراطها} هذا يخرّج على وجهين:

أحدهما: يحتمل ما ذكر من مجيء أشراطها، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه خاتم الأنبياء، وبه خُتمت النُّبوّة. ورُوي عنه أنه قال: [بُعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار إلى إصبعين، وجمع بينهما] [البخاري: 6503]. فإن كان التأويل هذا فهو على تحقيق مجيء أشراط الساعة، أي قد جاء أشراط الساعة حقيقة وتحقّقت. والثاني: يحتمل أن يكون ما ذكر من مجيء أشراطها، هي الأعلام، والشرائط التي جُعلت عَلَما لقيامها من نحو نزول عيسى وخروج دابة الأرض وخروج الدّجال وغير ذلك، فقد مضى بعض تلك الأعلام، فيكون قوله: {فقد جاء أشراطها} أي كان قد جاء أشراطها؛ إذ كل ما هو آت جاء، فكان {فقد جاء} كقوله تعالى: {أتى أمر الله} [النحل: 1].

وقوله تعالى: {فأنّى لهم إذا جاءهم ذِكراهم} يحتمل وجهين:

أحدهما: مِن أنّى ينتفعون بإيمانهم في ذلك الوقت؟ وكيف لهم منفعة الذكرى إذا جاءت؟ والتوبة لا تُقبل حينئذ.

والثاني: من أين لهم الإيمان والتوبة إذا جاءتهم الذكرى؟ أي ما يُذكّرهم في الدنيا قبل ذلك، فلم يؤمنوا، ولم يتذكّروا، والله أعلم...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

يعني: الكافرون والمنافقون لا ينظرون إلا الساعة، وذلك لأن البراهين قد صحت والأمور قد اتضحت وهم لم يؤمنوا فلا يتوقع منهم الإيمان إلا عند قيام الساعة... وقد ذكرنا أن القيامة سميت بالساعة لساعة الأمور الواقعة فيها من البعث والحشر والحساب.

وقوله {فقد جاء أشراطها}... والأشراط العلامات، قال المفسرون هي مثل انشقاق القمر ورسالة محمد عليه السلام، ويحتمل أن يقال معنى الأشراط البينات الموضحة...

{فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} يعني لا تنفعهم الذكرى إذ لا تقبل التوبة ولا يحسب الإيمان...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فهل ينظرون} أي ينتظرون، ولكنه جرده إشارة إلى شدة قربها {إلا الساعة}... {أن تأتيهم} أي تقوم عليهم، وعبر بالإتيان زيادة في التخويف {بغتة} أي فجاءة من غير شعور بها ولا استعداد لها... {فقد} ودل على القوة بتذكير الفعل فقال: {جاء أشراطها} أي علاماتها المنذرات بها من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم "بعثت أنا والساعة كهاتين "انشقاق القمر المؤذن بآية الشمس في طلوعها من مغربها وغير ذلك، وما بعد مقدمات الشيء إلا حضوره... {فأنّى} أي فكيف ومن أين {لهم إذا جاءتهم} أي الساعة وأشراطها المعينة لها مثل طلوع الشمس من مغربها {ذكراهم} لأنهم في أشغل الشغل ولو فرغوا لما تذكروا فعملوا ما أفاد لفوات وقت الأعمال وشرطها، وهو العمل على الإيمان بالغيب...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

والخلاصة: إن البراهين قد نصبت، والأدلة قد وضحت على وجوب الإيمان بالله، وصدق رسوله، والبعث والنشور، وهم لم يؤمنوا – فلا يتوقع منهم إيمان بعدئذ إلا حين مجيء الساعة بغتة، وها هي ذي أشراطها قد ظهرت، ومقدماتها قد بدأت، ولم يأبهوا بها، ولا فكروا في أمرها، والمراد بيان أنهم بلغوا الغاية في العناد، والنهاية في الاستكبار. ثم أظهر خطأهم، وحكم بأن رأيهم آفن في تأخيرهم التذكر إلى قيام الساعة، ببيان أن التذكر لا يجدي نفعا حينئذ فقال: {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} أي فمن أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة؟ فإن الذكرى لا تنفع حينئذ، ولا تقبل التوبة، ولا ينفع الإيمان.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} أي: من أين لهم، إذا جاءتهم الساعة وانقطعت آجالهم أن يتذكروا ويستعتبوا؟ قد فات ذلك، وذهب وقت التذكر، فقد عمروا ما يتذكر فيه من تذكر، وجاءهم النذير. ففي هذا الحث على الاستعداد قبل مفاجأة الموت، فإن موت الإنسان قيام ساعته...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة؟ فقد جاء أشراطها. فأنى لهم -إذا جاءتهم- ذكراهم؟). وهي جذبة قوية تخرج الغافلين من الغفلة بعنف، كما لو أخذت بتلابيب مخمور وهززته هزا! ماذا ينتظر هؤلاء الغافلون الذين يدخلون مجالس رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ويخرجون منها، غير واعين، ولا حافظين، ولا متذكرين؟ ماذا ينتظرون؟ (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة؟).. فتفجأهم وهم سادرون غارون غافلون. هل ينظرون إلا الساعة؟ (فقد جاء أشراطها). ووجدت علاماتها. والرسالة الأخيرة أضخم هذه العلامات، فهي إيذان بأنها النذارة الأخيرة قرب الأجل المضروب...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ومعنى الكلام: أن الساعة موعدهم وأن الساعة قريبة منهم، فحالهم كحال من ينتظر شيئاً فإنما يكون الانتظار إذا اقترب موعد الشيء، هذه الاستعارة تهكمية...

والأشراط: جمع شَرَط بفتحتين، وهو: العلامة والأمارة على وجود شيء أو على وصفه. وعلامات الساعة هي علامات كونها قريبة. وهذا القرب يتصور بصورتين: إحداهما أن وقت الساعة قريب قرباً نسبياً بالنسبة إلى طول مدة هذا العالم ومن عليه من الخلق. والثانية: أن ابتداء مشاهدة أحوال الساعة يحصل لكل أحد بموته فإن روحه إذا خلصت عن جسده شاهدت مصيرها مشاهدة إجمالية...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

إنّ هذه العبارة تشبه تماماً أن نقول لإنسان: أتنتظر حتى يشرف بك مرضك على الموت، ولا ينفع حينئذ علاج، ثمّ تدعو الطبيب وتأتي بالدواء؟ انهض واسرع إلى المعالجة وتناول الدواء قبل أن تفقد هذه الفرصة، فإنّ السعي الآن ذو فائدة، وبعد اليوم لا ينفع. وللمفسرين أقوال كثيرة حول المراد من علامات اقتراب القيامة هنا...