الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

ثم قال : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة } [ 19 ] .

أي : فهل ينظر هؤلاء المنافقون إلا إتيان الساعة وقيامها عليهم بغتة . " فأن " في موضع نصب بدلا{[63523]} من " الساعة " بدل الاشتمال{[63524]} .

و " بغتة " نصب على المصدر ، أي{[63525]} : تبغتهم بغتة{[63526]} ، وقيل : هي مصدر في موضع الحال ، وحكى أبو عبيد ( أن في بعض مصاحف الكوفيين أن تأتيهم ، على الشرط ){[63527]} ، والجواب : فقد جاء{[63528]} .

وقال أبو جعفر{[63529]} الرواسي قلت لأبي عمرو ما هذه " الفاء " في قوله : { فقد جاءا شراطها } .

فقال : هي جواب للجزاء ، قال : فقلت له : إنها أن تأتيهم ، فقال : معاذ الله{[63530]} إنما هي أن تأتهم{[63531]} . وهذه القراءة تفسر{[63532]} المعنى لو صحت ؛ لأنه يصير المعنى : إنها تأتيهم بغتة ، ويجوز : أن تأتيهم غير بغتة ؛ لأنه بمعنى الشرط والجزاء ، وقد قال الله { لا تأتيهم إلا بغتة }{[63533]} والأمر المحدود الذي لا بد منه ولا يكون غيره ، لا يدخله الشرط ، لأن الشرط إنما يدخل في الموضع الذي يجوز أن يكون ، ويجوز ألا يكون ، ويحسن أن يقع ، ويحسن ألا يقع ، فليس هذا موضعا للشرط البتة ، وجاء قوله : { ينظرون } بمعنى " ينتظرون " {[63534]} وهم لا يؤمنون بالساعة فكيف ينتظرونها ، وإنما ذلك بمعنى{[63535]} الوعيد والتهدد ، كما تقول لمن أصر{[63536]} على الذنوب والكفر : هل تنتظر{[63537]} إلا العذاب{[63538]} ، وكما تقول لعبدك يصر على مخالفتك : هل تنتظر{[63539]} إلا العقوبة ، فالمعنى{[63540]} : هل ينتظرون في الحقيقة عندنا وعند المؤمنين إلا أن تأتيهم الساعة بغتة .

وقوله : { فقد جاءا شرطها } أي : فقد جاء هؤلاء الكفار علاماتها ومقدمتها وآياتها{[63541]} .

قال الحسن : موت النبي عليه السلام{[63542]} من علاماتها ، وقال غيره : بعث النبي من علاماتها ، لأنه نبي بعث{[63543]} لا نبي بعده ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كفرسي رهان " {[63544]} ( وقال أيضا ){[63545]} : " بعثت أنا والساعة كهاتين " . وأشار بالسبابة والوسطى{[63546]} .

ثم قال : { فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم } أي : فمن أي وجه لهؤلاء الكفار{[63547]} تقع{[63548]} الذكرى إذ جاءتهم الساعة بغتة ، أي : ليس ينفعهم ذلك الوقت تذكر ولا ندم{[63549]} ، إذ ليس هو وقت عمل ولا استعتاب ولا تأخر{[63550]} ، فالتقدير{[63551]} : من أين لهم منفعة التذكر والازدجار عن الكفر إذا جاءت الساعة وانقطعت التوبة .


[63523]:ع: "بدل": وهو خطأ.
[63524]:انظر: التبيان في إعراب القرآن 2/1162، وإملاء ما من به الرحمن 2/124.
[63525]:ع: "أو".
[63526]:انظر: تفسير القرطبي 16/241.
[63527]:ع : (في بعض مصاحف الكوفيين أن أتاهم بغتة على الشروط).
[63528]:انظر: إعراب النحاس 4/185، والبحر المحيط 8/79.
[63529]:هو زيد بن القعقاع المخزومي بالولاء، المدني، أبو جعفر: أحد القراء العشرة، من التابعين، كان إمام أهل المدينة في القراءة، وعرف بالقارئ، وكان من المفتين المجتهدين، عرض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش وعبد الله بن عباس وأبي هريرة، وروى عنهم، روى القراءة عنه نافع بن أبي نعيم، توفي بالمدينة 132 هـ. انظر: وفيات الأعيان 6/274، وغاية النهاية 2/382، والأعلام 186.
[63530]:ساقط من ح.
[63531]:انظر: معاني الفراء 3/61، وإعراب النحاس 4/185، وجامع البيان 26/33.
[63532]:ح: "تفسير".
[63533]:الأعراف: 187.
[63534]:انظر: تفسير القرطبي 16/240، والكشاف: 4/323.
[63535]:ع: "على معنى".
[63536]:ع: "أمره": وهو تحريف.
[63537]:ح : "ينتظر".
[63538]:ساقط من ع.
[63539]:ع: "تنظر".
[63540]:ع: "والمعنى".
[63541]:انظر: العمدة 274، وغريب القرآن وتفسيره 162، وتفسير الغريب 410.
[63542]:ع: "صلى الله عليه وسلم".
[63543]:ساقط من ع.
[63544]:أخرجه أحمد في المسند 5/331.
[63545]:ح: "وقيل إنما".
[63546]:أخرجه البخاري في كتابه الرقاق – باب: بعثت أنا والساعة كهاتين 7/190، ومسلم – كتاب: الفتن –باب: قرب الساعة كهاتين، عن أنس 3/336 (رقم 2311)، والدارمي – كتاب: الرقائق – باب: في قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين 2/313، والطبراني في الكبير من مسند أنس بن مالك 1/230 (رقم 743)، والبغوي في شرح السنة – كتاب الفتن – باب: قول الله عز وجل: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر} [النحل: آية 77] 15/99، والحميدي في مسنده، من أحاديث سهل بن سعد الساعدي 2/413.
[63547]:ساقط من ع.
[63548]:ع: "نفع": وهو تحريف.
[63549]:ع: "تندم".
[63550]:ح : "خير": وهو تحريف.
[63551]:ع : "والتقدير".