الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

قوله : { أَن تَأْتِيَهُمْ } : بدلٌ من الساعة بدلُ اشتمالٍ . وقرأ أبو جعفر الرؤاسي : " إنْ تَأْتِهم " ب إنْ الشرطيةِ ، وجزمِ ما بعدها . وفي جوابِها وجهان ، أحدهما : أنَّه قولُه : " فأنَّى لهم " قاله الزمخشريُّ . ثم قال : " فإنْ قلت : بِمَ يتصلُ قولُه : { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } على القراءتَيْن ؟ قلت : بإتيان السَّاعةِ ، اتصالَ العلةِ بالمعلولِ كقولك : إنْ أكرَمَني زيدٌ فأنا حقيقٌ بالإِكرامِ أُكْرِمْه " . والثاني : أنَّ الجوابَ قولُه : { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } ، وإتيانُ الساعةِ ، وإنْ كان متحققاً ، إلاَّ أنهم عُوْمِلوا مُعاملةَ الشاكِّ ، وحالُهم كانت كذا .

والأَشْراط : جمع شَرْط بسكونِ/ الراءِ وفتحِها . قال أبو الأسود :

4060 فإن كنتِ قد أَزْمَعْتِ بالصَّرْمِ بَيْنَنَا *** فقد جَعَلَتْ أَشْراطُ أَوَّلِه تَبْدو

والأشراطُ : العلاماتُ ، ومنه أَشْراط الساعةِ . وأَشْرَطَ الرجلُ نفسَه أي : ألزمها أموراً . قال أوس :

4061 فأَشْرَطَ فيها نَفْسَه وهو مُعْصِمٌ *** فأَلْقَى بأسبابٍ له وتَوَكَّلا

والشَّرْطُ : القَطْعُ أيضاً ، مصدرُ شَرَطَ الجلدَ يَشْرِطُه ( يَشْرُطُه ) شَرْطاً .

قوله : " فَأَنَّى لهم " " أنَّى " خبرٌ مقدمٌ و " ذِكْراهم " مبتدأٌ مؤخرٌ أي : أنَّى لهم التذكيرُ . وإذا وما بعدها معترضٌ وجوابُها محذوفٌ أي : كيف لهم التذكيرُ إذا جاءَتْهم الساعةُ ؟ فيكف يتذكَّرون ؟ ويجوز أن يكونَ المبتدأُ محذوفاً أي : أنَّى لهم الخَلاصُ ، ويكون " ذِكْراهم " فاعلاً ب " جاءَتْهم " .

وقرأ أبو عمروٍ في رواية " بَغَتَّةً " بفتح الغينِ وتشديدِ التاء ، وهي صفةٌ ، فنصبُها على الحال ، ولا نظيرَ لها في الصفات ولا في المصادر ، وإنما هي في الأسماء نحو : الجَرَبَّة للجماعةِ ، والشَّرَبَّة للمكان . قال الزمخشري : " ما أَخْوَفني أن تكونَ غَلْطَةً من الراوي عن أبي عمرو ، وأَنْ يكونَ الصوابُ " بَغَتَةً " بالفتح دون تشديد " .