السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

{ فهل } أي : ما { ينظرون } أي : ينتظرون وجودها إشارة إلى شدة قربها . { إلا الساعة } وقوله تعالى : { أن تأتيهم } أي : الكافرين بدل اشتمال من الساعة أي : ليس الأمر إلا أن تأتيهم { بغتة } أي : فجأة من غير شعور بها ، ولا استعداد لها . وقوله تعالى : { فقد جاء أشراطها } جمع شرط بسكون الراء وفتحها قال أبو الأسود :

فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا *** فقد جعلت أشراطاً وله تبدو

والأشراط : العلامات ومنه أشراط الساعة وأشرط الرجل نفسه أي ألزمها أموراً قال أوس :

فأشرط فيها نفسه وهو يقسم *** فألقى بأسباب له وتوكلا

والشرط : القطع أيضاً ، مصدر شرط الجلد يشرطه شرطاً قال السهيلي عن ابن سعد عن أنس قال «رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام بعثت والساعة كهاتين » وعن أنس قال : «لأحدّثنكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أنّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويكثر الجهل ، ويكثر الربا ، ويشرب الخمر ، وتقل الرجال ، وتكثر النساء ، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد » وعن أبي هريرة قال : «بينما النبيّ صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي ، فقال : متى الساعة ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث ، فقال بعض القوم : سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم : لم يسمع حتى إذا قضى حديثه ، قال : أين السائل عن الساعة ؟ قال : ها أنا يا رسول الله قال : إذا ضيعت الأمانة ، فانتظر الساعة فقيل : كيف إضاعتها قال : إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة » .

ومن أشراطها انشقاق القمر المؤذن بآية الشمس في طلوعها من مغربها ، وغير ذلك وما بعد مقدّمات الشيء إلا حضوره .

{ فأنى } أي : فكيف وأين { لهم } أي التذكر والاتعاظ والتوبة { إذا جاءتهم ذكراهم } أي : الساعة لا تنفعهم . نظيره قوله تعالى { يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى } [ الفجر : 23 ] ولما علم بذلك أنّ الذكرى غير نافعة إذا انقضت هذه الدار التي جعلت للعمل ، أو جاءت الأشراط المحققة الكاشفة لها ، سبب عنه أمر أعظم الخلق تكويناً ليكون لغيره تكليفاً فقال : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم } .