تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

{ 36 } { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }

أي : ولا تتبع ما ليس لك به علم ، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله ، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك ، { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يعد للسؤال جوابا ، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له وكفها عما يكرهه الله تعالى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

22

والعقيدة الإسلامية عقيدة الوضوح والاستقامة والنصاعة . فلا يقوم شيء فيها على الظن أو الوهم أو الشبهة :

( ولا تقف ما ليس لك به علم . إن السمع والبصر والفؤاد . . كل أولئك كان عنه مسؤولا ) . . .

وهذه الكلمات القليلة تقيم منهجا كاملا للقلب والعقل ، يشمل المنهج العلمي الذي عرفته البشرية حديثا جدا ، ويضيف إليه استقامة القلب ومراقبة الله ، ميزة الإسلام على المناهج العقلية الجافة !

فالتثبيت من كل خبر ومن كل ظاهرة ومن كل حركة قبل الحكم عليها هو دعوة القرآن الكريم ، ومنهج الإسلام الدقيق . ومتى استقام القلب والعقل على هذا المنهج لم يبق مجال للوهم والخرافة في عالم العقيدة . ولم يبق مجال للظن والشبهة في عالم الحكم والقضاء والتعامل . ولم يبق مجال للأحكام السطحية والفروض الوهمية في عالم البحوث والتجارب والعلوم .

والأمانة العلمية التي يشيد بها الناس في العصر الحديث ليست سوى طرف من الأمانة العقلية القلبية التي يعلن القرآن تبعتها الكبرى ، ويجعل الإنسان مسؤولا عن سمعه وبصره وفؤاده ، أمام واهب السمع والبصر والفؤاد .

إنها أمانة الجوارح والحواس والعقل والقلب . أمانة يسأل عنها صاحبها ، وتسأل عنها الجوارح والحواس والعقل والقلب جميعا . أمانة يرتعش الوجدان لدقتها وجسامتها كلما نطق اللسان بكلمة ، وكلما روى الإنسان رواية ، وكلما أصدر حكما على شخص أو أمر أو حادثة .

( ولا تقف ما ليس لك به علم ) . . ولا تتبع ما لم تعلمه علم اليقين ، وما لم تتثبت من صحته : من قول يقال ورواية تروى . من ظاهرة تفسر أو واقعة تعلل . ومن حكم شرعي أو قضية اعتقادية .

وفي الحديث " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " . وفي سنن أبي داود : " بئس مطية الرجل : زعموا " وفي الحديث الآخر : " إن أفرى الفري أن يري الرجل عينيه ما لم تريا " . .

وهكذا تتضافر الآيات والأحاديث على تقرير ذلك المنهج الكامل المتكامل الذي لا يأخذ العقل وحده بالتحرج في أحكامه ، والتثبت في استقرائه ؛ إنما يصل ذلك التحرج بالقلب في خواطره وتصوراته ، وفي مشاعره وأحكامه ، فلا يقول اللسان كلمة ولا يروي حادثة ولا ينقل رواية ، ولا يحكم العقل حكما ولا يبرم الإنسان أمرا إلا وقد تثبت من كل جزئية ومن كل ملابسة ومن كل نتيجة ، فلم يبق هنالك شك ولا شبهة في صحتها . )إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )حقا وصدقا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

{ ولا تقفُ } ولا تتبع وقرئ { ولا تقف } من قاف اثره إذا قفاه ومنه القافة . { ما ليس لك به علم } ما لم يتعلق به علمك تقليدا أو رجما بالغيب ، واحتج به من منع اتباع الظن وجوابه أن المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند ، سواء كان قطعا أو ظنا واستعماله بهذا المعنى سائغ شائع . وقيل إنه مخصوص بالعقائد . وقيل بالرمي وشهادة الزور ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام " من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج " . وقول الكميت :

ولا أرمي البريء بغير ذنبٍ *** ولا اقفُو الحواصن أن قفينا

{ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك } أي كل هذه الأعضاء فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها ، هذا وإن أولاء وإن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين جاء لغيرهم كقوله :

والعيش بعد أولئك الأيَام *** . . . . . . . . . . . . . . . . .

{ كان عنه مسئولا } في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسؤولا عن نفسه ، يعني عما فعل به صاحبه ، ويجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر { لا تقف } أو لصاحب السمع والبصر . وقيل { مسؤولا } مسند إلى { عنه } كقوله تعالى : { غير المغضوب عليهم } والمعنى يسأل صاحبه عنه ، وهو خطأ لأن الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدم ، وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية . وقرئ { والفؤاد } بقلب الهمزة واوا بعد الضمة ثم إبدالها بالفتح .