تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ } أي : لما أتلفهم الله وأهلكهم لم تبك عليهم السماء والأرض أي : لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم ، بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والأرض لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين .

{ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } أي : ممهلين عن العقوبة بل اصطلمتهم في الحال .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّمَآءُ وَالأرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ * وَلَقَدْ نَجّيْنَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِن فِرْعَوْنَ إِنّهُ كَانَ عَالِياً مّنَ الْمُسْرِفِينَ } .

يقول تعالى ذكره : فما بكت على هؤلاء الذين غرّقهم الله في البحر ، وهم فرعون وقومه ، السماء والأرض ، وقيل : إن بكاء السماء حمرة أطرافها . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، عن الحكم بن ظهير ، عن السديّ قال : لما قتل الحسين بن عليّ رضوان الله عليهما بكت السماء عليه ، وبكاؤها حمرتها .

حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء في قوله : فَمَا بَكَت عَلَيْهمُ السّماءُ والأرْضُ قال : بكاؤها حمرة أطرافها .

وقيل : إنما قيل : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ والأرْضُ لأن المؤمن إذا مات ، بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ، ولم تبكيا على فرعون وقومه ، لأنه لم يكن لهم عمل يَصْعد إلى الله صالح ، فتبكي عليهم السماء ، ولا مسجد في الأرض ، فتبكي عليهم الأرض . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا طلق بن غنام ، عن زائدة ، عن منصور ، عن المنهال ، عن سعيد بن جُبير ، قال : أتى ابن عباس رجل ، فقال : يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السّماءُ والأرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ فهل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ قال : نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه ، وفيه يصعد عمله ، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقه ، بكى عليه وإذا فقده مُصلاّه من الأرض التي كان يصلي فيها ، ويذكر الله فيها بكت عليه ، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة ، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير ، قال : فلم تبكِ عليهم السماء والأرض .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ويحيى قالا : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : كان يقال : تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي يحيى القَتّات ، عن مجاهد ، عن ابن عباس بمثله .

حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : حُدثت أن المؤمن إذا مات بكت عليه الأرض أربعين صباحا .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، قال : حدثنا بكير بن أبي السميط ، قال : حدثنا قتادة ، عن سعيد بن جُبير أنه كان يقول : إن بقاع الأرض التي كان يصعد عمله منها إلى السماء تبكي عليه بعد موته ، يعني المؤمن .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن المنهال ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس فَمَا بَكَتِ عَلَيْهِمُ السّماءُ والأرْضُ قال : إنه ليس أحد إلا له باب في السماء ينزل فيه رزقه ويصعد فيه عمله ، فإذا فُقِد بكت عليه مواضعه التي كان يسجد عليها ، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يقبل منهم ، فيصعد إلى الله عزّ وجلّ ، فقال مجاهد : تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا .

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد قال : كان يقال : إن المؤمن إذا مات بكت عليه الأرض أربعين صباحا .

حدثنا يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن صفوان بن عمرو ، عن شريح بن عبيد الحضرمي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الإسْلامَ بَدأ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا ، ألا لا غُرْبَةَ على المُؤْمن ، ما ماتَ مُؤْمِنٌ فِي غُرْبَةٍ غابَتْ عَنْهُ فِيها بَوَاكِيهِ إلاّ بَكَتْ عَلَيْهِ السّماءُ والأرْضُ » ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ والأرْضُ ، ثم قال : «إنّهُما لا يَبْكِيانِ على الكافِرِ » .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ والأرْضُ . . . الاَية ، قال : ذلك أنه ليس على الأرض مؤمن يموت إلا بكى عليه ما كان يصلي فيه من المساجد حين يفقده ، وإلا بكى عليه من السماء الموضعُ الذي كان يرفع منه كلامه ، فذلك قوله لأهل معصيته : فَمَا بَكَت عَلَيْهِمُ السّماءُ والأرْضُ ، وَما كانُوا مُنْظَرِينَ لأنهما يبكيان على أولياء الله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ والأرْضُ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ والأرْضُ يقول : لا تبكي السماء والأرض على الكافر ، وتبكي على المؤمن الصالح معالمُه من الأرض ومقرّ عمله من السماء .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : فَمَا بَكتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ والأرْضُ قال : بقاع المؤمن التي كان يصلي عليها من الأرض تبكي عليه إذا مات ، وبقاعه من السماء التي كان يرفع فيها عمله .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن المنهال ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : سُئل ابن عباس : هل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ فقال : نعم إنه ليس أحد ، من الخلق إلا له باب في السماء يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقه ، فإذا مات بكى عليه مكانه من الأرض الذي كان يذكر الله فيه ويصلي فيه ، وبكى عليه بابه الذي كان يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقه . وأما قوم فرعون ، فلم يكن لهم آثار صالحة ، ولم يصعد إلى السماء منهم خير ، فلم تبكِ عليهم السماء والأرض .

وقوله : وَما كانُوا مُنْظَرِينَ يقول : وما كانوا مؤخرين بالعقوبة التي حلّت بهم ، ولكنهم عوجلوا بها إذ أسخطوا ربهم عزّ وجلّ عليهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

{ فما بكت عليهم السماء والأرض } مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم كقولهم : بكت عليهم السماء والأرض وكسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك . ومنه ما روي في الأخبار : إن المؤمن ليبكي عليه مصلاه ومحل عبادته ومصعد عمله ومهبط رزقه . وقيل تقديره فما بكت عليهم أهل السماء والأرض { وما كانوا منظرين } ممهلين إلى وقت آخر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} (29)

تفريع على قوله : { كم تركوا من جنات } إلى قوله : { قوماً آخرين } [ الدخان : 25 28 ] ، فإن ذلك كله يتضمن أنهم هلكوا وانقرضوا ، أي فما كان مُهلَكُهم إلا كمُهلَك غيرهم ولم يكن حدثاً عظيماً كما كانوا يحسبون ويحسب قومُهم ، وكان من كلام العرب إذا هلك عظيم أن يهوِّلوا أمر موته بنحو : بَكت عليه السماء ، وبكته الريح ، وتزلزلتْ الجبال ، قال النابغة في توقع موت النعمان بن المنذر من مرضه :

فإن يهلك أبو قابوس يهلِك *** ربيعُ الناس والبلدُ الحرام

وقال في رثاء النعمان بن الحارث الغساني :

بكَى حارثُ الجَولان من فقد ربه *** وحَوْران منه موحَش مُتضائل

والكلام مسوق مساق التحقير لهم ، وقريب منه قوله تعالى : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } [ إبراهيم : 46 ] ، وهو طريقة مسلوكة وكثر ذلك في كلام الشعراء المحدثين ، قال أبو بكر بن اللَّبَّانَةِ الأندلسي في رثاء المعتمد بن عباد ملك إشبيلية :

تبكي السماء بمزن رائحٍ غَاد *** على البهاليل من أبناء عَباد

والمعنى : فما كان هلاكهم إلا كهلاك غيرهم وَلا أنظروا بتأخير هلاكهم بل عجّل لهم الاستئصال .