تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّـٰكِرِينَ} (145)

ثم أخبر تعالى أن النفوس جميعها متعلقة بآجالها بإذن الله وقدره وقضائه ، فمن حتَّم عليه بالقدر أن يموت ، مات ولو بغير سبب ، ومن أراد بقاءه ، فلو أتى{[163]}  من الأسباب كل سبب ، لم يضره ذلك قبل بلوغ أجله ، وذلك أن الله قضاه وقدره وكتبه إلى أجل مسمى : { إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }

ثم أخبر تعالى أنه يعطي الناس من ثواب الدنيا والآخرة ما تعلقت به إراداتهم ، فقال : { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها }

قال الله تعالى : { كلاًّ نمدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا }

{ وسنجزي الشاكرين } ولم يذكر جزاءهم ليدل ذلك على كثرته وعظمته ، وليعلم أن الجزاء على قدر الشكر ، قلة وكثرة وحسنا .


[163]:- في ب: فلو وقع.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّـٰكِرِينَ} (145)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مّؤَجّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الاَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ }

يعني تعالى ذكره بذلك : وما يموت محمد ولا غيره من خلق الله إلا بعد بلوغ أجله الذي جعله الله غاية لحياته وبقائه ، فإذا بلغ ذلك من الأجل الذي كتبه الله له وأذن له بالموت فحينئذ يموت ، فأما قبل ذلك فلن تموت بكيد كائد ولا بحيلة محتال . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَما كان لِنَفْسٍ أنْ تَمُوتَ إلاّ بإذْنِ اللّهِ كِتابا مُؤَجّلاً } : أي أن لمحمد أجلاً هو بالغه إذا أذن الله له في ذلك كان .

وقد قيل : إن معنى ذلك : وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله .

وقد اختلف أهل العربية في معنى الناصب قوله : { كِتابا مُؤجّلاً }¹ فقال بعض نحويي البصرة : هو توكيد ، ونصبه على : كتب الله كتابا مؤجلاً ، قال : وكذلك كل شيء في القرآن من قوله «حقّا » ، إنما هو : أحقّ ذلك حقّا ، وكذلك : { وَعْدَ اللّهِ } و{ رحْمَةً مِنْ رَبّكَ } وَ{ صُنْعَ اللّهِ الّذِي أتْقَنَ كلّ شيءٍ } و{ كِتَابَ اللّهِ عَلَيكُمْ } إنما هو : صنع الله هكذا صنعا ، فهكذا تفسير كل شيء في القرآن من نحو هذا ، فإنه كثير .

وقال بعض نحويي الكوفة في قوله : { وَما كان لِنَفْسٍ أنْ تَمُوتَ إلاّ بإذْنِ اللّهِ } معناه : كتب الله آجال النفوس ، ثم قيل : كتابا مؤجلاً ، فأخرج قوله : كتابا مؤجلاً ، نصبا من المعنى الذي في الكلام ، إذ كان قوله : { وَما كان لِنَفْسٍ أنْ تَمُوتَ إلاّ باذْنِ اللّهِ } قد أدّى عن معنى «كتب » ، قال : وكذلك سائر ما في القرآن من نظائر ذلك ، فهو على هذا النحو .

وقال آخرون منهم : قول القائل : زيد قائم حقا ، بمعنى : أقول زيد قائم حقا ، لأن كل كلام قول ، فأدّى المقول عن القول ، ثم خرج ما بعده منه ، كما تقول : أقول قولاً حقّا ، وكذلك ظنّا ويقينا ، وكذلك وَعْدَ الله ، وما أشبهه .

والصواب من القول في ذلك عندي ، أن كل ذلك منصوب على المصدر من معنى الكلام الذي قبله ، لأن في كل ما قبل المصادر التي هي مخالفة ألفاظها ألفاظ ما قبلها من الكلام معاني ألفاظ المصادر وإن خالفها في اللفظ فنصبها من معاني ما قبلها دون ألفاظه .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : من يرد منكم أيها المؤمنون بعمله جزاء منه بعض أعراض الدنيا دون ما عند الله من الكرامة ، لمن ابتغى بعمله ما عنده { نُؤْتِهِ مِنْها } يقول : نعطه منها ، يعني : من الدنيا ، يعني : أنه يعطيه منها ما قسم له فيها من رزق أيام حياته ، ثم لا نصيب له في كرامة الله التي أعدّها لمن أطاعه ، وطلب ما عنده في الاَخرة . { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الاَخِرَةِ } يقول : ومن يرد منكم بعمله جزاء منه ثواب الاَخرة ، يعني ما عند الله من كرامته التي أعدّها للعاملين له في الاَخرة ، { نُؤْتِهِ مِنْهَا } يقول : نعطه منها ، يعني من الاَخرة¹ والمعنى : من كرامة الله التي خصّ بها أهل طاعته في الاَخرة . فخرج الكلام على الدنيا والاَخرة ، والمعنى ما فيهما . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { ومَنْ يُرِدْ ثَواب الدّنيْا نُؤْتِهِ مِنْها وَمْن يُرِدْ ثَوابَ الاَخِرِةِ نُؤْتِهِ مِنْها } : أي فمن كان منكم يريد الدنيا ليست له رغبة في الاَخرة ، نؤته ما قسم له منها من رزق ، ولا حظّ له في الاَخرة ، ومن يرد ثواب الاَخرة نؤته منها ما وعده مع ما يُجْرَى عليه من رزقه في دنياه .

وأما قوله : { وَسَنَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِين } يقول : وسأثيب من شكر لي ما أوليته من إحساني إليه بطاعته إياي وانتهائه إلى أمري وتجنبه محارمي في الاَخرة ، مثل الذي وعدت أوليائي من الكرامة على شكرهم إياي . وقال ابن إسحاق في ذلك بما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَسَنَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِين } أي ذلك جزاء الشاكرين ، يعنى بذلك : إعطاء الله إياه ما وعده في الاَخرة مع ما يجرى عليه من الرزق في الدنيا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّـٰكِرِينَ} (145)

{ وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله } إلا بمشيئة الله تعالى أو بإذنه لملك الموت عليه الصلاة والسلام في قبض روحه ، والمعنى أن لكل نفس أجلا مسمى في علمه تعالى وقضائه { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } بالإحجام عن القتال والإقدام عليه . وفيه تحريض وتشجيع على القتال ، ووعد للرسول صلى الله عليه وسلم بالحفظ وتأخير الأجل . { كتابا } مصدر مؤكد إذ المعنى كتب الموت كتابا . { مؤجلا } صفة له أي مؤقتا لا يتقدم ولا يتأخر . { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها } تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم أحد فإن المسلمين حملوا على المشركين وهزموهم وأخذوا ينهبون ، فلما رأى الرماة ذلك أقبلوا على النهب وخلوا مكانهم فانتهز المشركون وحملوا عليهم من ورائهم فهزموهم . { ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها } أي من ثوابها . { وسنجزي الشاكرين } الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شيء عن الجهاد .