تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة سأل سائل وهي مكية

{ 1 - 7 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا }

يقول تعالى مبينا لجهل المعاندين ، واستعجالهم لعذاب الله ، استهزاء وتعنتا وتعجيزا :

{ سَأَلَ سَائِلٌ } أي : دعا داع ، واستفتح مستفتح { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ } لاستحقاقهم له بكفرهم وعنادهم

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة المعارج

مقدمة وتمهيد

1- سورة " المعارج " هي السورة السبعون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فهي السورة الثامنة والسبعون ، وكان نزولها بعد سورة " الحاقة " وقبل سورة " النبأ " .

وتسمى –أيضا- بسورة " سأل سائل " ، وذكر السيوطي في كتابه " الإتقان " أنها تسمى كذلك بسورة " الواقع " .

وهذه الأسماء الثلاثة قد وردت ألفاظها في السورة الكريمة . قال –تعالى- [ سأل سائل بعذاب واقع . للكافرين ليس له دافع . من الله ذي المعارج ] .

وهي من السور المكية الخالصة ، وعدد آياتها أربع وأربعون آية في عامة المصاحف ، وفي المصحف الشامي ثلاث وأربعون آية .

والسورة الكريمة نراها في مطلعها ، تحكي لنا جانبا من استهزاء المشركين بما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من بعث وثواب وعقاب . . وترد عليهم بما يكبتهم ، حيث تؤكد أن يوم القيامة حق ، وأنه واقع ، وأن أهواله شديدة .

قال –تعالى- [ سأل سائل بعذاب واقع . للكافرين ليس له دافع . من الله ذي المعارج . تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . فاصبر صبرا جميلا . إنهم يرونه بعيدا . ونراه قريبا . يوم تكون السماء كالمهل . وتكون الجبال كالعهن . ولا يسأل حميم حميما ] .

2- ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى تصوير طبيعة الإنسان ، وتمدح المحافظين على صلاتهم ، وعلى أداء حقوق الله –تعالى- في أموالهم ، كما تمدح الذين يؤمنون بأن البعث حق ، ويستعدون لهذا اليوم بالإيمان والعمل الصالح .

قال –تعالى- [ إن الإنسان خلق هلوعا . إذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا . إلا المصلين ، الذين هم على صلاتهم دائمون ] .

3- ثم أخذت السورة الكريمة في أواخرها في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي توبيخ الكافرين على مسالكهم الخبيثة بإزاء الدعوة الإسلامية ، وفي بيان أن يوم القيامة الذي يكذبون به آت لا ريب فيه .

قال –تعالى- : [ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون . يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون . خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ، ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ] .

4- هذا والمتدبر في هذه السورة الكريمة ، يرى أن على رأس القضايا التي اهتمت بالحديث عنها : التذكير بيوم القيامة ، وبأهواله وشدائده ، وببيان ما فيه من حساب ، وجزاء ، وثواب وعقاب .

والحديث عن النفس الإنسانية بصفة عامة في حال عسرها ويسرها ، وصحتها ومرضها ، وأملها وبأسها . . . واستثناء المؤمنين الصادقين ، من كل صفة لا يحبها الله –تعالى- وأنهم بسبب إيمانهم الصادق ، وعملهم الصالح ، سيكونون يوم القيامة . في جنات مكرمين .

كما أن السورة الكريمة اهتمت بالرد على الكافرين ، وبتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما لحقه منهم ، وببيان قدرة الله –تعالى- التي لا يعجزها شيء .

الراجي عفو ربه

د . محمد سيد طنطاوي

قوله - تعالى - { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قرأه الجمهور بإظهار الهمزة فى { سَأَلَ } .

وقرأه نافع وابن عامر { سال } بتخفيف الهمزة .

قال الجمل : قرأ نافع وابن عامر بألف محضة ، والباقون ، بهمزة خففت بقلبها ألفا . والثانى : أنها من سَاَلَ يَسَالُ ، مثل خاف يخاف ، والألف منقلبة عن واو ، والواو منقلبة عن الهمزة .

والثالث : من السيلان ، والمعنى : سال واد فى جهنم بعذاب . فالألف منقلبة عن ياء .

وقد حكى القرآن الكريم عن كفار مكة ، أنهم كانوا يسألون النبى صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم والاستهزاء عن موعد العذاب الذى يتوعدهم به إذا ما استمروا على كفرهم ، ويستعجلون وقوعه .

قال - تعالى - : { وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } وقال - سبحانه - { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ } وعلى هذا يكون السؤال على حقيقته ، وأن المقصود به الاستهزاء بالنبى صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين .

ومنهم من يرى أن سأل هنا بمعنى دعا . أى : دعا داع على نفسه بعذاب واقع .

قال الآلوسى ما ملخصه : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } أى : دعا داع به ، فسؤال بمعنى الدعاء ، ولذا عدى بالباء تعديته بها فى قوله { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } والمراد استدعاء العذاب وطلبه . . وقيل إنها بمعنى " عن " كما فى قوله : { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } والسائل هو النضر بن الحارث - كما روى النسائى وجماعة وصححه الحاكم - حيث قال إنكارا واستهزاء { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقيل السائل : أو جهل ، حيث قال : " فأسقط علينا كسفا من السماء " .

وعلى أية حال فسؤالهم عن العذاب ، يتضمن معنى الإِنكار والتهكم ، كما يتضمن معنى الاستعجال ، كما حكته بعض الآيات الكريمة . .

ومن بلاغة القرآن ، تعدية هذا الفعل هنا بالباء ، ليصلح لمعنى الاستفهام الإِنكارى ، ولمعنى الدعاء والاستعجال .

أى : سأل سائل النبى صلى الله عليه وسلم سؤال تهكم ، عن العذاب الذى توعد به الكافرين إذا ما استمروا على كفرهم . وتعجَّلَه فى وقوعه بل أضاف إلى ذلك - لتجاوزه الحد فى عناده وطغيانه - أن قال : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقال - سبحانه - { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } ولم يقل بعذاب سيقع ، للإِشارة إلى تحقق وقوع هذا العذاب فى الدنيا والآخرة .

أما الدنيا فمن هؤلاء السائلين من قتل فى غزوة بدر وهو النضر بن الحارث ، وأبو جهل وغيرهما ، وأما فى الآخرة فالعذاب النازل بهم أشد وأبقى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة في كتب السنة وفي صحيح البخاري وجامع الترمذي ، وفي تفسير الطبري وان عطية وابن كثير { سورة سأل سائل } . وكذلك رأيتها في بعض المصاحف المخطوطة بالخط الكوفي بالقيروان في القرن الخامس .

وسميت في معظم المصاحف المشرقية والمغربية وفي معظم التفاسير { سورة المعارج } . وذكر في الإتقان أنها تسمى « سورة الواقع » .

وهذه الأسماء الثلاثة مقتبسة من كلمات وقعت في أولها ، وأخصها بها جملة { سال سائل } لأنها لم يرد مثلها في غيرها من سور القرآن إلا أنها غلب عليها اسم « سورة المعارج » لأنه أخف .

وهي مكية بالاتفاق . وشذ من ذكر أن آية { والذين في أموالهم حق معلوم } مدنية .

وهي السورة الثامنة والسبعون في عداد نزول سور القرآن عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة الحاقة وقبل سورة النبأ .

وعد جمهور الأمصار آبها أربعا وأربعين . وعدها أهل الشام ثلاثا وأربعين .

أغراضها

حوت من الأغراض تهديد الكافرين بعذاب يوم القيامة ، وإثبات ذلك اليوم ووصف أهواله .

ووصف شيء من جلال الله فيه ، وتهويل دار العذاب وهي جهنم . وذكر أسباب استحقاق عذابها .

ومقابلة ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دار الكرامة وهي أضداد صفات الكافرين .

وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم . وتسليته على ما يلقاه من المشركين .

ووصف كثير من خصال المسلمين التي بثها الإسلام فيهم ، وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخير منهم .

كان كفار قريش يستهزئون فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم متى هذا العذاب الذي تتوعدنا به ، ويسألونه تعجيله ، قال تعالى : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يونس : 48 ] { ويستعجلونك بالعذاب } [ الحج : 47 ] وكانوا أيضاً يسألون الله أن يوقع عليهم عذاباً إن كان القرآن حقاً من عنده قال تعالى : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .

وقيل : إن السائل شخص معين هو النضر بن الحارث قال : { إن كان هذا ( أي القرآن ) هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله أن يعينه على المشركين بالقحط فأشارت الآية إلى ذلك كله ، ولذلك فالمراد ب { سائل } فريقٌ أو شخص .

والسؤال مستعمل في معنيي الاستفهام عن شيء والدعاء ، على أن استفهامهم مستعمل في التهكم والتعجيز . ويجوز أن يكون { سأل سائل } بمعنى استعجل وأَلَحّ .

وقرأ الجمهور { سأل } بإظهار الهمزة . وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر { سال } بتخفيف الهمزة ألفاً . قال في « الكشاف » : وهي لغة قريش وهو يريد أن قريشاً قد يخففون المهموز في مقام الثقل وليس ذلك قياساً في لغتهم بل لغتهم تحقيق الهمز ولذلك قال سيبويه : وليس ذا بقياس مُتْلَئِبَ ( أي مطرد مستقيم ) وإنما يحفظ عن العرب قال : ويكون قياساً متلئباً ، إذا اضطُر الشاعر ، قال الفرزدق :

راحتْ بِمسلمةَ البغال عشية *** فارْعَيْ فَزازةُ لا هَنَاككِ المَرتَع

يريد لا هَنَأككِ بالهمز . وقال حسان :

سَالتْ هُذْيلٌ رسولَ الله فاحشةً *** ضلتْ هُذيلٌ بمَا سَالت ولم تُصِبِ

يريد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحَةَ الزنا . وقال القرشي زيدُ بن عمرو بن نفيل ( يذكر زَوجيه ) :

سَألتَانِي الطلاقَ أنْ رَأتَاني *** قَلَّ مَالي قد جيتُمانِي بنُكْرِ

فهؤلاء ليس لغتهم سَال ولا يَسَالُ وبلغنا أن سَلْتَ تَسَال لغة اهـ . فجعل إبدال الهمز ألفاً للضرورة مطرداً ولغير الضرورة يُسمع ولا يقاس عليه فتكون قراءة التخفيف سماعاً . وذكر الطيبي عن أبي علي في الحجة : أن من قرأ { سَالَ } غير مهموز جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين الكلمة مثل : قَال وخاف . وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع من يقول : هما متساوِلان . وقال في « الكشاف » : يقولون ( أي أهل الحجاز ) : سَلْتَ تَسَالُ وهما يتسَايلان ، أي فهو أجوف يائي مثل هاب يهاب . وكل هذه تلتقي في أن نطق أهل الحجاز { سال } غيرَ مهموز سماعي ، وليس بقياس عندهم وأنه إمّا تخفيف للهمزة على غير قياس مطرد وهو رأي سيبويه ، وإما لغة لهم في هذا الفعل وأفعال أخرى جاء هذا الفعل أجوف واوياً كما هو رأي أبي علي أو أجوف يائياً كما هو رأي الزمخشري .

وبذلك يندحض تردد أبي حيان جعل الزمخشري قراءة { سال } لغة أهل الحجاز إذ قد يكون لبعض القبائل لغتان في فعل واحد .

وإنما اجتلب هنا لغة المخفف لثقل الهمز المفتوح بتوالي حركات قبله وبعده وهي أربع فتحات ، ولذلك لم يرد في القرآن مخففاً في بعض القراءات إلاّ في هذا الموضع إذ لا نظير له في توالي حركات ، وإلاّ فإنه لم يقرأ أحد بالتخفيف في قوله : { وإذا سَألك عبادي } [ البقرة : 186 ] وهو يساوي { سال سائل بعذاب } بله قوله : سالتهم وتسالهم ولا يسالون .

وقوله : { سال سائل } بمنزلة سُئل لأن مجيء فاعل الفعل اسمَ فاعل من لفظ فعله لا يفيد زيادة علم بفاعل الفعل ما هو ، فالعدول عن أن يقول : سُئِل بعذاب إلى قوله { سال سائل بعذاب } ، لزيادة تصوير هذا السؤال العجيب ، ومثله قول يزيد بن عمرو بن خويلد يهاجي النابغة :

وإن الغدْر قد عَلِمت معدٌّ *** بنَاه في بني ذُبيان بَانِي

ومن بلاغة القرآن تعدية { سال } بالباء ليصلح الفعل لمعنى الاستفهام والدعاء والاستعجال ، لأن الباء تأتي بمعنى ( عن ) وهو من معاني الباء الواقعة بعد فعل السؤال نحو { فاسأل به خبيراً } [ الفرقان : 59 ] ، وقول علقمة :

فإن تسألوني بالنساء فإنني *** خبير بأدواء النساء طبيب

أي إن تسألوني عن النساء ، وقال الجوهري عن الأخفش : يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . وجعل في « الكشاف » تعدية فعل سأل بالباء لتضمينه معنى عُني واهتمّ . وقد علمت احتمال أن يكون سال بمعنى استعجل ، فتكون تعديته بالباء كما في قوله تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب } [ الحج : 47 ] وقوله : { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها } [ الشورى : 18 ] .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة المعارج مكية.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

سورة سأل سائل [المعارج] مكية في قول جميعهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

مقصودها:

إثبات القيامة وإنذار من كفر بها، وتصوير عظمتها بعظمة ملكها وطول يومها، وتسلية المنذر بها بما لمن كذبه بما له من الصغار والذل والتبار، ودل على وجوب وقوعها سابقا بما ختمه بتسميتها في السورة الماضية بالحاقة تنبيها على أنه لا بد منها ولا محيد عنها، ودل على ذلك بالقدرة في أولها والعلم في أثنائها و التّنزه عما في إهمالها من النقص في آخرها.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وتسمى سورة الموافق... وهي كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف القيامة والنار، وقد قال ابن عباس أنها نزلت عقيب سورة الحاقة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه السورة حلقة من حلقات العلاج البطيء، المديد، العميق، الدقيق، لعقابيل الجاهلية في النفس البشرية كما واجهها القرآن في مكة؛ وكما يمكن أن يواجهها في أية جاهلية أخرى مع اختلافات في السطوح لا في الأعماق! وفي الظواهر لا في الحقائق! أو هي جولة من جولات المعركة الطويلة الشاقة التي خاضها في داخل هذه النفس، وفي خلال دروبها ومنحنياتها، ورواسبها وركامها. وهي أضخم وأطول من المعارك الحربية التي خاضها المسلمون -فيما بعد- كما أن هذه الرواسب وتلك العقابيل هي أكبر وأصعب من القوى التي كانت مرصودة ضد الدعوة الإسلامية والتي ما تزال مرصودة لها في الجاهليات القديمة والحديثة! والحقيقة الأساسية التي تعالج السورة إقرارها هي حقيقة الآخرة وما فيها من جزاء؛ وعلى وجه الخصوص ما فيها من عذاب للكافرين، كما أوعدهم القرآن الكريم. وهي تلم -في طريقها إلى إقرار هذه الحقيقة- بحقيقة النفس البشرية في الضراء والسراء. وهي حقيقة تختلف حين تكون مؤمنة وحين تكون خاوية من الإيمان. كما تلم بسمات النفس المؤمنة ومنهجها في الشعور والسلوك، واستحقاقها للتكريم. وبهوان الذين كفروا على الله وما أعده لهم من مذلة ومهانة تليق بالمستكبرين.. وتقرر السورة كذلك اختلاف القيم والمقاييس في تقدير الله وتقدير البشر، واختلاف الموازين... وتؤلف بهذه الحقائق حلقة من حلقات العلاج الطويل لعقابيل الجاهلية وتصوراتها، أو جولة من جولات المعركة الشاقة في دروب النفس البشرية ومنحنياتها. تلك المعركة التي خاضها القرآن فانتصر فيها في النهاية مجردا من كل قوة غير قوته الذاتية. فقد كان انتصار القرآن الحقيقي في داخل النفس البشرية -ابتداء- قبل أن يكون له سيف يدفع الفتنة عن المؤمنين به فضلا على أن يرغم به أعداءه على الاستسلام له! والذي يقرأ هذا القرآن -وهو مستحضر في ذهنه لأحداث السيرة- يشعر بالقوة الغالبة والسلطان البالغ الذي كان هذا القرآن يواجه به النفوس في مكة ويروضها حتى تسلس قيادها راغبة مختارة. ويرى أنه كان يواجه النفوس بأساليب متنوعة تنوعا عجيبا.. تارة يواجهها بما يشبه الطوفان الغامر من الدلائل الموحية والمؤثرات الجارفة! وتارة يواجهها بما يشبه الهراسة الساحقة التي لا يثبت لها شيء مما هو راسخ في كيانها من التصورات والرواسب! وتارة يواجهها بما يشبه السياط اللاذعة تلهب الحس فلا يطيق وقعها ولا يصبر على لذعها! وتارة يواجهها بما يشبه المناجاة الحبيبة، والمسارة الودود، التي تهفو لها المشاعر وتأنس لها القلوب! وتارة يواجهها بالهول المرعب، والصرخة المفزعة، التي تفتح الأعين على الخطر الداهم القريب! وتارة يواجهها بالحقيقة في بساطة ونصاعة لا تدع مجالا للتلفت عنها ولا الجدال فيها. وتارة يواجهها بالرجاء الصبوح والأمل الندي الذي يهتف لها ويناجيها. وتارة يتخلل مساربها ودروبها ومنحنياتها فيلقي عليها الأضواء التي تكشفها لذاتها فترى ما يجري في داخلها رأي العين، وتخجل من بعضه، وتكره بعضه، وتتيقظ لحركاتها وانفعالاتها التي كانت غافلة عنها!.. ومئات من اللمسات، ومئات من اللفتات، ومئات من الهتافات، ومئات من المؤثرات.. يطلع عليها قارئ القرآن، وهو يتبع تلك المعركة الطويلة، وذلك العلاج البطيء. ويرى كيف انتصر القرآن على الجاهلية في تلك النفوس العصية العنيدة. وهذه السورة تكشف عن جانب من هذه المحاولة في إقرار حقيقة الآخرة، والحقائق الأخرى التي ألمت بها في الطريق إليها. وحقيقة الآخرة هي ذاتها التي تصدت لها سورة الحاقة، ولكن هذه السورة تعالجها بطريقة أخرى، وتعرض لها من زاوية جديدة، وصور وظلال جديدة.. في سورة الحاقة كان الاتجاه إلى تصوير الهول والرعب في هذا اليوم، ممثلين في حركات عنيفة في مشاهد الكون الهائلة: (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة، وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة، وانشقت السماء فهي يومئذ واهية).. وفي الجلال المهيب في ذلك المشهد المرهوب: (والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية).. وفي التكشف الذي ترتج له وتستهوله المشاعر: (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).. كذلك كان الهول والرعب يتمثلان في مشاهد العذاب، حتى في النطق بالحكم بهذا العذاب: (خذوه. فغلوه. ثم الجحيم صلوه. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه).. كما يتجلى في صراخ المعذبين وتأوهاتهم وحسراتهم: (يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية..) فأما هنا في هذه السورة فالهول يتجلى في ملامح النفوس وسماتها وخوالجها وخطواتها، أكثر مما يتجلى في مشاهد الكون وحركاته. حتى المشاهد الكونية يكاد الهول يكون فيها نفسيا! وهو على كل حال ليس أبرز ما في الموقف من أهوال. إنما الهول مستكن في النفس يتجلى مداه في مدى ما يحدثه فيها من خلخلة وذهول وروعة: (يوم تكون السماء كالمهل، وتكون الجبال كالعهن. ولا يسأل حميم حميما. يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه).. وجهنم هنا "نفس " ذات مشاعر وذات وعي تشارك مشاركة الأحياء في سمة الهول الحي: إنها لظى. نزاعة للشوى. تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى.. والعذاب ذاته يغلب عليه طابع نفسي أكثر منه حسيا: (يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة، ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون).. فالمشاهد والصور والظلال لهذا اليوم تختلف في سورة المعارج عنها في سورة الحاقة، باختلاف طابعي السورتين في عمومه. مع اتحاد الحقيقة الرئيسية التي تعرضها السورتان في هذه المشاهد. ومن ثم فقد تناولت سورة المعارج -فيما تناولت- تصوير النفس البشرية في الضراء والسراء، في حالتي الإيمان والخواء من الإيمان. وكان هذا متناسقا مع طابعها " النفسي " الخاص: فجاء في صفة الإنسان (إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا. إلا المصلين، الذين هم على صلاتهم دائمون.. الخ.. واستطرد السياق فصور هنا صفات النفوس المؤمنة وسماتها الظاهرة والمضمرة تمشيا مع طبيعة السورة وأسلوبها: (إلا المصلين. الذين هم على صلاتهم دائمون. والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. والذين يصدقون بيوم الدين. والذين هم من عذاب ربهم مشفقون. إن عذاب ربهم غير مأمون. والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. والذين هم لآماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم بشهاداتهم قائمون. والذين هم على صلاتهم يحافظون...).. ولقد كان الاتجاه الرئيسي في سورة الحاقة إلى تقرير حقيقة الجد الصارم في شأن العقيدة. ومن ثم كانت حقيقة الآخرة واحدة من حقائق أخرى في السورة، كحقيقة أخذ المكذبين أخذا صارما في الأرض؛ وأخذ كل من يبدل في العقيدة بلا تسامح.. فأما الاتجاه الرئيسي في سورة المعارج فهو إلى تقرير حقيقة الآخرة وما فيها من جزاء، وموازين هذا الجزاء. فحقيقة الآخرة هي الحقيقة الرئيسية فيها. ومن ثم كانت الحقائق الأخرى في السورة كلها متصلة اتصالا مباشرا بحقيقة الآخرة فيها. من ذلك حديث السورة عن الفارق بين حساب الله في أيامه وحساب البشر، وتقدير الله لليوم الآخر وتقدير البشر: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فاصبر صبرا جميلا. إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا... الخ وهو متعلق باليوم الآخر. ومنه ذلك الفارق بين النفس البشرية في الضراء والسراء في حالتي الإيمان والخلو من الإيمان. وهما مؤهلان للجزاء في يوم الجزاء. ومنه غرور الذين كفروا وطمعهم أن يدخلوا كلهم جنات نعيم، مع هوانهم على الله وعجزهم عن سبقه والتفلت من عقابه. وهو متصل اتصالا وثيقا بمحور السورة الأصيل. وهكذا تكاد السورة تقتصر على حقيقة الآخرة وهي الحقيقة الكبيرة التي تتصدى لإقرارها في النفوس. مع تنوع اللمسات والحقائق الأخرى المصاحبة! للموضوع الأصيل. ظاهرة أخرى في هذا الإيقاع الموسيقي للسورة، الناشئ من بنائها التعبيري.. فقد كان التنوع الإيقاعي في الحاقة ناشئا من تغير القافية في السياق من فقرة لفقرة. وفق المعنى والجو فيه.. فأما هنا في سورة المعارج فالتنوع أبعد نطاقا، لأنه يشمل تنوع الجملة الموسيقية كلها لا إيقاع القافية وحدها. والجملة الموسيقية هنا أعمق وأعرض وأشد تركيبا. ويكثر هذا التنوع في شطر السورة الأول بشكل ملحوظ. ففي هذا المطلع ثلاث جمل موسيقية منوعة -مع اتحاد الإيقاع في نهاياتها- من حيث الطول ومن حيث الإيقاعات الجزئية فيها على النحو التالي: (سأل سائل بعذاب واقع. للكافرين ليس له دافع. من الله ذي المعارج. تعرج الملائكة والروح إليه. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. فاصبر صبرا جميلا).. حيث تنتهي بمد الألف في الإيقاع الخامس. (إنهم يرونه بعيدا. ونراه قريبا).. حيث يتكرر الإيقاع بمد الألف مرتين. (يوم تكون السماء كالمهل. وتكون الجبال كالعهن. ولا يسأل حميم حميما).. حيث تنتهي بمد الألف في الإيقاع الثالث. مع تنوع الإيقاع في الداخل. (يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا إنها لظى).. حيث تنتهي بمد الألف في الإيقاع الخامس كالأول. (نزاعة للشوى.. تدعو من أدبر وتولى. وجمع فأوعى. إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا).. حيث يتكرر إيقاع المد بالألف خمس مرات منهما اثنتان في النهاية تختلفان عن الثلاثة الأولى. ثم يستقيم الإيقاع في باقي السورة على الميم والنون وقبلهما واو أو ياء.. والتنويع الإيقاعي في مطلع السورة عميق وشديد التعقيد في الصياغة الموسيقية بشكل يلفت الأذن الموسيقية إلى ما في هذا التنويع المعقد الراقي -موسيقيا- من جمال غريب على البيئة العربية وعلى الإيقاع الموسيقي العربي. ولكن الأسلوب القرآني يطوعه ويمنحه اليسر الذي يدخل به إلى الأذن العربية فتقبل عليه، وإن كان فنا إبداعيا عميقا جديدا على مألوفها الموسيقي. والآن نستعرض السورة تفصيلا...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

سميت هذه السورة في كتب السنة وفي صحيح البخاري وجامع الترمذي، وفي تفسير الطبري وابن عطية وابن كثير سورة سأل سائل. وكذلك رأيتها في بعض المصاحف المخطوطة بالخط الكوفي بالقيروان في القرن الخامس. وسميت في معظم المصاحف المشرقية والمغربية وفي معظم التفاسير سورة المعارج. وذكر في الإتقان أنها تسمى « سورة الواقع». وهذه الأسماء الثلاثة مقتبسة من كلمات وقعت في أولها، وأخصها بها جملة سال سائل، لأنها لم يرد مثلها في غيرها من سور القرآن، إلا أنها غلب عليها اسم « سورة المعارج» لأنه أخف...

أغراضها:

حوت من الأغراض:

تهديد الكافرين بعذاب يوم القيامة، وإثبات ذلك اليوم ووصف أهواله.

ووصف شيء من جلال الله فيه.

وتهويل دار العذاب وهي جهنم. وذكر أسباب استحقاق عذابها.

ومقابلة ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دار الكرامة، وهي أضداد صفات الكافرين.

وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، وتسليته على ما يلقاه من المشركين.

ووصف كثير من خصال المسلمين التي بثها الإسلام فيهم.

وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخير منهم.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لهذه السورة أربعة أقسام:

القسم الأوّل: يتحدث عن العذاب السريع الذي حلّ بأحد الأشخاص ممن أنكر أقوال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: لو كان هذا القول حقّاً فلينزل عليّ العذاب. فنزل (الآية 1 -3).

القسم الثّاني: ذكر الكثير من خصوصيات يوم القيامة ومقدماتها وحالات الكفار في ذلك اليوم.

القسم الثّالث: توضح هذه السورة بعض الصفات الإنسانية الحسنة والسيئة والتي تعيّن هذا الشخص من أهل الجنان أم من أهل النّار.

القسم الرّابع: يشمل إنذارات تخصّ المشركين والمنكرين، وتبيان مسألة المعاد وينهى بذلك السورة.

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدار بن قصي، وذلك أنه قال: اللهم إن كان ما يقول محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فقتل يوم بدر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلفت القرّاء في قراءة قوله:"سأَلَ سائِلٌ "فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة: "سأَلَ سائِلٌ" بهمز سأل سائل، بمعنى سأل سائل من الكفار عن عذاب الله، بمن هو واقع. وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة: «سال سائِلٌ» فلم يهمز سأل، ووجهه إلى أنه فعل من السيل.

والذي هو أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأه بالهمز لإجماع الحجة من القرّاء على ذلك، وأن عامة أهل التأويل من السلف بمعنى الهمز تأوّلوه... عن ابن عباس، قوله: "سألَ سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ" قال: ذاك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع...

وأما الذين قرأوا ذلك بغير همز، فإنهم قالوا: السائل واد من أودية جهنم...

وقوله: "بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ" يقول: سأل بعذاب للكافرين واجب لهم يوم القيامة واقع بهم.

ومعنى "للْكافِرِينَ": على الكافرين...

وقوله: "لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللّهِ ذِي المَعَارِجٍ" يقول تعالى ذكره: ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله دافع يدفعه عنهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

والقراءة العامة بالهمزة من السؤال، وتأويله على سؤال القوم العذاب بقولهم: {إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} [الأنفال: 32] وقولهم: {ربنا عجل لنا قطّنا} [ص: 16]. وقيل هو النضر بن الحارث سأل ذلك، فقتل يوم بدر بعد أسر، هكذا قال بعض أهل التأويل، ولكن عندنا أن هذا، وإن كان في الظاهر خارج مخرج السؤال، لكن لم يكن سؤاله لينزل به العذاب في التحقيق، وإنما هذا منه على جهة الاستبعاد بالعذاب والاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم...

والذي حملهم على الاستبعاد والإنكار، هو أنه كان عند أهل مكة أنه لو كان فيهم نبي لكانوا هم أحق بالنبوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هم الذين بسطت لهم الدنيا، وهم الذين لهم نفاذ الكلام في البلاد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبسط له الدنيا، ولا كان لكلامه في ما بينهم نفاذ، فيظنون بهذا أنهم أقرب منزلة عند الله تعالى من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يستقيم في العقل أن يصل الولي إلى عدوه ويحسن إليه، ويدع صلة وليّه، ويخفيها. فهذا الظن الذي ذكرنا هو الذي حملهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما يخبرهم بحلول العذاب بالتكذيب، وعلى الاستهزاء به، فكان سؤال السائل على جهة استبعاد إمكان العذاب لا أن كانوا مقرين به، ثم استعجلوه... فهذه الشبهة التي ذكرناها [هي] التي أورثت لهم ما ذكرنا من الظن حتى زعموا أنهم أحق بالرسالة. وظنهم هذا يتولد من إبليس، وذلك أن إبليس {قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [الأعراف: 12]

{بعذاب واقع} أي هو واقع بهم لا محالة في علم الله تعالى، أو واقع بمعنى سيقع كما يقال: قابل أي سيقبل.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ضمن {سَأَلَ} معنى دعا، فعدّي تعديته، كأنه قيل: دعا داع {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} من قولك: دعا بكذا. إذا استدعى وطلبه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج، تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فاصبر صبرا جميلا، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا، يوم تكون السماء كالمهل، وتكون الجبال كالعهن، ولا يسأل حميم حميما، يبصرونهم، يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا! إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى..

كانت حقيقة الآخرة من الحقائق العسيرة الإدراك عند مشركي العرب؛ ولقد لقيت منهم معارضة نفسية عميقة، وكانوا يتلقونها بغاية العجب والدهش والاستغراب؛ وينكرونها أشد الإنكار، ويتحدون الرسول [صلى الله عليه وسلم] في صور شتى أن يأتيهم بهذا اليوم الموعود، أو أن يقول لهم: متى يكون.

وفي رواية عن ابن عباس أن الذي سأل عن العذاب هو النضر بن الحارث. وفي رواية أخرى عنه: قال: ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع بهم.

وعلى أية حال فالسورة تحكي أن هناك سائلا سأل وقوع العذاب واستعجله. وتقرر أن هذا العذاب واقع فعلا، لأنه كائن في تقدير الله من جهة، ولأنه قريب الوقوع من جهة أخرى. وأن أحدا لا يمكنه دفعه ولا منعه. فالسؤال عنه واستعجاله -وهو واقع ليس له من دافع- يبدو تعاسة من السائل المستعجل؛ فردا كان أو مجموعة!

وهذا العذاب للكافرين.. إطلاقا.. فيدخل فيه أولئك السائلون المستعجلون كما يدخل فيه كل كافر. وهو واقع من الله (ذي المعارج).. وهو تعبير عن الرفعة والتعالي، كما قال في السورة الأخرى: (رفيع الدرجات ذو العرش)..

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

أي: تساءل سائل عن العذاب المنتظر، يستعجل به لماذا لم ينزل عليه في الحين، على حد ما ورد في قوله تعالى في آية ثانية: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده} (الحج: 47).

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{سَأَلَ سَآئِلٌ} هل هناك سؤال عن العذاب في طبيعته أو في توقيته ليكون السؤال في معنى الاستفهام، أو أن السؤال بمعنى الطلب فتكون القضية هي في الطريقة التي كان يدير المشركون فيها مع النبي الحوار الجدلي عن الآخرة وعذابها الذي ينتظرهم، فيبرزون الحديث بطريقة التحدي كما كانت الطريقة التاريخية للأمم السابقة التي كانت تستعجل العذاب كإيحاءٍ بعدم جدّيته، في إظهار تكذيبهم للرسول بهذا الأسلوب. والظاهر أن هذا هو الأقرب من خلال السياق الذي أكّد العذاب كحقيقةٍ إيمانيةٍ ثابتةٍ لا مجال للشك فيها، فهو واقع بهم، ولن يستطيع أحدٌ أن يدفعه عنهم.