تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} (110)

{ 110-111 } { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }

بقول تعالى لعباده : { ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ } أي : أيهما شئتم . { أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } أي : ليس له اسم غير حسن ، أي : حتى ينهى عن دعائه به ، أي : اسم دعوتموه به ، حصل به المقصود ، والذي ينبغي أن يدعى في كل مطلوب ، مما يناسب ذلك الاسم .

{ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ } أي : قراءتك { وَلَا تُخَافِتْ بِهَا } فإن في كل من الأمرين محذورًا . أما الجهر ، فإن المشركين المكذبين به إذا سمعوه سبوه ، وسبوا من جاء به .

وأما المخافتة ، فإنه لا يحصل المقصود لمن أراد استماعه مع الإخفاء { وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ } أي : بين الجهر والإخفات { سَبِيلًا } أي : تتوسط فيما بينهما .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} (110)

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - : { قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الحسنى . . } ذكروا روايات منها : ما أخرجه ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال : " وصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم فدعا الله - تعالى - فقال : يا الله ، يا رحمن ، فقال المشركون : انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو إلهين فنزلت " .

ومعنى : ادعوا ، سموا ، و { أو } للتخيير . و { أيا } اسم شرط جازم منصوب على المفعولية بقوله : { ادعوا } والمضاف إليه محذوف ، أى : أى الاسمين . { وتدعو } مجزوم على أنه فعل الشرط لأيًّا ، وجملة { فَلَهُ الأسمآء الحسنى } واقعة موقع جواب الشرط ، و { ما } مزيدة للتأكيد . والحسنى : مؤنث الأحسن الذى هو أفعل تفضيل .

والمعنى : قل يا محمد للناس : سموا المعبود بحق بلفظ الله أو بلفظ الرحمن بأى واحد منهما سميتموه فقد أصبتم ، فإنه - تعالى - له الأسماء الأحسن من كل ما سواه ، وقال - سبحانه - : { فَلَهُ الأسمآء الحسنى } للمبالغة فى كمال أسمائه - تعالى - وللدلالة على أنه ما دامت أسماؤه كلها حسنة ، فلفظ الله ولفظ الرحمن كذلك ، كل واحد منهما حسن .

وقد ذكر الجلالان عند تفسيرهما لهذه الآية ، أسماء الله الحسنى ، فارجع إليها إن شئت .

وقوله - سبحانه - : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً } تعليم من الله - تعالى - لنبيه كيفية أفضل طرق القراءة فى الصلاة .

فالمراد بالصلاة هنا : القراءة فيها . والجهر بها : رفع الصوت أثناءها ، والمخافتة بها : خفضه بحيث لا يسمع . يقال : خفت الرجل بصوته إذا لم يرفعه ، والكلام على حذف مضاف .

والمعنى : ولا تجهر يا محمد فى قراءتك خلال الصلاة ، حتى لا يسمعها المشركون فيسبوا القرآن ، ولا تخافت بها ، حتى لا يسمعها من يكون خلفك ، بل أسلك فى ذلك طريقا وسطا بين الجهر والمخافتة .

ومما يدل على أن المراد بالصلاة هنا : القراءة فيها ، ما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس .

قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون ، سبوا القرآن ، ومن أنزله ومن جاء به ، فأمره الله بالتوسط .

وقيل : المراد بالصلاة هنا : الدعاء . أى : لا ترفع صوتك وأنت تدعو الله ، ولا تخافت به . وقد روى ذلك عن عائشة ، فقد أخرج الشيخان عنها أنها نزلت فى الدعاء .

ويبدو لنا أن التوجيهات التى بالآية الكريمة تتسع للقولين ، أى : أن على المسلم أن يكون متوسطًا فى رفع صوته بالقراءة فى الصلاة ، وفى رفع صوته حال دعائه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} (110)

73

هذا المشهد الموحي للذين أتوا العلم من قبل يعرضه السياق بعد تخيير القوم في أن يؤمنوا بهذا القرآن أولا يؤمنوا ، ثم يعقب عليه بتركهم يدعون اللّه بما بما شاءوا من الأسماء - وقد كانوا بسبب أوهامهم الجاهلية ينكرون تسمية اللّه بالرحمن ، ويستبعدون هذا الاسم من أسماء اللّه - فكلها اسماؤه فما شاءوا منها فليدعوه بها :

قل : ادعو اللّه أو ادعوا الرحمن . أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى .

وإن هي إلا سخافات الجاهلية وأوهام الوثنية التي لا تثبت للمناقشة والتعليل .

كذلك يؤمر الرسول [ ص ] أن يتوسط في صلاته بين الجهر والخفوت لما كانوا يقابلون به صلاته من استهزاء وايذاء ، أو من نفور وابتعاد ولعل الأمر كذلك لأن التوسط بين الجهر والخفاء أليق بالوقوف في حضرة الله :

( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} (110)

{ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان } نزلت حين سمع المشركون رسول الله يقول : يا الله يا رحمان فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر . أو قالت اليهود : إنك لتقل ذكر الرحمان وقد أكثره الله في التوراة ، والمراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بأنهما يطلقان على ذات واحدة وإن اختلف اعتبار إطلاقهما ، والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود المطلق وعلى الثاني أنهما سيان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود وهو أجود لقوله : { أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } والدعاء في الآية بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه وأو للتخيير والتنوين في { أياً } عوض عن المضاف إليه ، و{ ما } صلة لتأكيد ما في { أياً } من الإبهام ، والضمير في { فله } للمسمى لأن التسمية له لا للاسم ، وكان أصل الكلام { أياً ما تدعوا } فهو حسن ، فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والإكرام . { ولا تجهر بصلاتك } بقراءة صلاتك حتى تسمع المشركين ، فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها . { ولا تُخافت بها } حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين . { وابتغ بين ذلك } بين الجهر والمخافتة . { سبيلا } وسطا فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب . روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ويقول : أناجي ربي وقد علم حاجتي ، وعمر رضي الله عنه كان يجهر ويقول أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان ، فلما نزلت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يرفع قليلا وعمر أن يخفض قليلا . وقيل معناه لا

تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلا بالإخفات نهارا والجهر ليلاً .