الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} (110)

ثم قال : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان } [ 109 ] .

معنى الآية : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه فيقول : مرة : يا الله ، ومرة : يا رحمن . فظن الجاهلون من المشركين أنه يدعو الهين . فأنزل الله عز وجل هذه الآية احتجاجا عليهم {[42072]} .

قال ابن عباس : سمع المشركون النبي {[42073]} صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده {[42074]} يا رحمن يا رحيم : فقالوا : [ إن {[42075]} ] هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى مثنى . فأنزل [ عز وجل {[42076]} ] الآية : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان } [ 109 ] {[42077]} .

وروي : أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد يقول في دعائه يا الله يا رحمن فقال : يا معشر قريش ، محمد ينهانا أن نعبد إلهين وهو يعبد {[42078]} إلها آخر يقال له الرحمن ، فأنزل الله [ عز وجل {[42079]} ] الآية .

وقوله : { أيا ما تدعوا } [ 109 ] .

ما صلة ، و( ايا ) منصوب بتدعوا . وتدعوا جزم بالشرط وقيل [ " ما {[42080]} " ] بمعنى أي {[42081]} كررت لاختلاف [ اللفظ كما تقول ما إن رأيتكما الليلة . فإن بمعنى ما كررت لاختلاف {[42082]} ] . اللفظين {[42083]} .

وقال الأخفش { أيا ما تدعوا } معناه : أي الدعاءين {[42084]} تدعوا {[42085]} كأنه يجعل ما اسما . وقال أبو إسحاق : المعنى : أي الأسماء تدعو إن/دعوت الله أو للرحمن فكله اسم الله لأن له الأسماء الحسنى {[42086]} .

ويلزم في هذين القولين ألا تنون {[42087]} " أي " : وأن تكون مضافة إلى " ما " . وفي إجماع المصاحف والقراء على تنوين " أي " : ما يدل على صحة كون " ما " زائدة للتأكيد وكونها بمعنى " أي " أعيد للتأكيد وحسن ذلك لاختلاف اللفظ .

ثم قال تعالى : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت [ 109 ] .

قالت عائشة رضي الله عنها ، وابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير وعروة {[42088]} بن الزبير {[42089]} : نزلت في الدعاء {[42090]} . فالصلاة هنا الدعاء على قولهم .

وقال الضحاك : هي منسوخة بقوله : { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة } {[42091]} . الآية ، وروي ذلك عن ابن عباس أيضا : أن " الصلاة " هنا : القراءة في الصلاة ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم {[42092]} إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون ، سبوا القرآن ، ومن أنزله ، ومن جاء به . فقال الله [ عز وجل {[42093]} ] لنبيه صلى الله عليه وسلم { ولا تجهر بصلاتك } [ 109 ] فيسمع المشركون { ولا تخافت بها } [ 109 ] حتى لا يسمعك أصحابك { وابتغ بين ذلك سبيلا } [ 109 ] أي : اطلب بين الإعلان والتخافت طريقا {[42094]} .

قال الضحاك : هذا كان بمكة {[42095]} .

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : نزلت هذه الآية في التشهد {[42096]} . وكذلك قال ابن سيرين ، قال : كانت العرب ترفع أصواتها بالتشهد ، فنزلت هذه الآية في ذلك {[42097]} .

وقال عكرمة والحسن : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة جهارا [ فأمر {[42098]} ] بإخفائها {[42099]} .

وقال قتادة : معناه ولا تحسن صلاتك مرائيا في العلانية ، ولا تخافت [ بها {[42100]} ] تسيئها {[42101]} في السريرة {[42102]} .

وعن ابن عباس أنه قال : لا تصل مراءاة للناس ، ولا تدعها مخافة الناس {[42103]} .

واختار الطبري قول من قال : أنه الدعاء [ لأنه {[42104]} ] أتى عقيب {[42105]} قوله : { [ قل {[42106]} ] ادعوا الله أو ادعوا الرحمان } [ 109 ] ، فهي محكمة ، لأن رفع الصوت بالدعاء مكروه ، وهو قول أبي هريرة وأبي موسى الأشعري {[42107]} وعائشة رضي الله عنهم {[42108]} .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : النهي عن رفع الصوت بالدعاء فقال {[42109]} : " إنكم لا تدعون أصم {[42110]} ولا غائبا {[42111]} ، إنكم تدعون سميعا بصيرا {[42112]} .

والمخافتة الإخفاء {[42113]} .


[42072]:وهو قول: ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/198
[42073]:ق: "النبي النبي".
[42074]:غريب كيف يستمعون له وهو يدعو في سجوده.
[42075]:ساقط من ط.
[42076]:ساقط من ق.
[42077]:انظر قول: ابن عباس في جامع البيان 15/184. وأسباب النزول 223، والجامع 10/222. لباب النقول 142.
[42078]:ط: "وهو يدعو".
[42079]:ساقط من ق.
[42080]:ساقط من ق.
[42081]:ق: "أن".
[42082]:ساقط من ق.
[42083]:وهو قول: الفراء انظر: معاني الفراء 2/133.
[42084]:ق: "الداعيين".
[42085]:انظر قوله: في معاني الأخفش 2/615، وإعراب النحاس 2/445.
[42086]:انظر قوله: الزجاج في معاني الزجاج 3/264، وإعراب النحاس 2/445.
[42087]:ق: "نيون".
[42088]:ق: "عرمة".
[42089]:ق: "الزبير" وهو عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، القرشي أبو عبد الله أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. ولد سنة 22 هـ وتوفي بالمدينة سنة 93، انظر ترجمته: في تذكرة الحفاظ 1/62 وخزانة الأدب 1/534، والأعلام 4/226.
[42090]:أخرج هذا القول البخاري عن عائشة في الصحيح، رقم 4723، وانظر: جامع البيان 15/183 وأحكام الجصاص 3/211 وأحكام ابن العربي 3/1226 والجامع 10/222 والدر 5/350.
[42091]:الأعراف: 205.
[42092]:انظر القول: بالنسخ في الناسخ والمنسوخ لابن حزم 44. والإيضاح في الناسخ والمنسوخ 340، والناسخ والمنسوخ لابن سلامة 214، والناسخ والمنسوخ لابن العربي 2/285 ونواسخ القرآن 192، وفيه قول آخر عن ابن السائب، أن الناسخ هو "فاصدع بما تؤمر" [الحجر 94] قال:
[42093]:ساقط من ق.
[42094]:أخرج هذا القول عن ابن عباس البخاري في الصحيح رقم 4722 وانظر جامع البيان 15/184، وأحكام الجصاص 3/211 والجامع 10/222.
[42095]:انظر قوله: في جامع البيان 15/185.
[42096]:انظر قولهما: في جامع البيان 15/187 والدر 5/351.
[42097]:انظر قوله: في جامع البيان 15/187 والجامع 10/222.
[42098]:ساقط من ق.
[42099]:انظر قولهما: في جامع البيان 15/187.
[42100]:ساقط من ق.
[42101]:ق: "تشفها".
[42102]:ق: "الشريرة" وط "السيريرة" وهذا القول إنما يرويه: قتادة عن الحسن كما في جامع البيان 15/187، والجامع 10/223.
[42103]:انظر قوله: في جامع البيان 15/187، والجامع 10/ 223، والدر 5/351.
[42104]:ساقط من ق.
[42105]:ساقط من ط.
[42106]:ساقط من ق.
[42107]:ق: "الأشعاري" وأبو موسى هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، أبو موسى من بني الأشعر من قحطان. صحابي من الشجعان الولاة الفاتحين وأحد الحكمين الذين رضي بهما معاوية وعلي وله 355 حديثا. انظر ترجمته: في حلية الأولياء 1/256 وصفة الصفوة 1/556، وغاية النهاية 1/442 والأعلام 4/188.
[42108]:انظر اختيار الطبري: في جامع البيان 15/188.
[42109]:ط: وقال.
[42110]:ط: "أصما" والذي في ط وصحيح البخاري وصحيح مسلم "أصم".
[42111]:ق: "عائبا".
[42112]:الحديث أخرجه البخاري في الصحيح عن أبي موسى رقم 7386 و 6610 ومسلم في الصحيح، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، والاستغفار رقم 44، وأحمد في المسند 4/419.
[42113]:انظر: اللسان (خفت).