الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} (110)

أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالدعاء فجعل يقول : يا الله . . . يا رحمن . . . فسمعه أهل مكة فأقبلوا عليه ، فأنزل الله { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن . . . } الآية » .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم ، فدعا ربه فقال في دعائه : يا الله . . . يا رحمن . . . فقال المشركون : انظروا إلى هذا الصابئ ، ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو إلهين . فأنزل الله { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } الآية » .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن إبراهيم النخعي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في حرث في يده جريدة ، فسأله اليهود عن الرحمن - وكان لهم كاهن باليمامة يسمونه الرحمن - فأنزلت { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن . . . } الآية .

وأخرج ابن جرير عن مكحول : «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتهجد بمكة ذات ليلة يقول في سجوده : يا رحمن . . . يا رحيم . . . فسمعه رجل من المشركين ، فلما أصبح قال لأصحابه : انظروا ما قال ابن أبي كبشة ، يزعم الليلة الرحمن الذي باليمن - وكان باليمن رجل يقال له رحمن - فنزلت { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن . . . } الآية » .

وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق نهشل بن سعيد ، عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى . . . . } إلى آخر الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هو أمان من السرق » .

وإن رجلاً من المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها ، حيث أخذ مضجعه فدخل عليه سارق ، فجمع ما في البيت وحمله - والرجل ليس بنائم - حتى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردوداً ، فوضع الكارة ففعل ذلك ثلاث مرات ، فضحك صاحب الدار ثم قال : إني أحصنت بيتي .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { أياً ما تدعوا } قال : باسم من أسمائه ، والله أعلم .

وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والطبراني والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجهر بصلاتك . . . } الآية . قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة متوار ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم { ولا تجهر بصلاتك } أي بقراءتك ، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن { ولا تخافت بها } عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك { وابتغ بين ذلك سبيلاً } يقول : بين الجهر والمخافتة .

وأخرج ابن إسحق وابن جرير والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي ، تفرقوا عنه وأبوا أن يستمعوا منه ، فكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو وهو يصلي ، استرق السمع دونهم فرقاً منهم ، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ، ذهب خشية أذاهم فلم يستمع . فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يستمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً . فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك } فيتفرقوا عنك { ولا تخافت بها } فلا تسمع من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك ، لعله يرعوي إلى بعض ما يستمع فينتفع به { وابتغ بين ذلك سبيلاً } .

وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة بمكة فيؤذي ، فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك } .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت جهر بقراءته ، فكان المشركون يؤذونه ، فنزلت { ولا تجهر بصلاتك . . . } الآية .

وأخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى يجهر بصلاته ، فآذى ذلك المشركين فأخفى صلاته هو وأصحابه . فلذك قال الله : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } وقال : في الأعراف { واذكر ربك في نفسك } [ الأعراف : 205 ] الآية .

وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قال : كان الرجل إذا دعا في الصلاة رفع صوته .

وأخرج الطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان مسيلمة الكذاب قد تسمّى الرحمن ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى فجهر ببسم الله الرحمن الرحمن ، قال المشركون : يذكر إله اليمامة . فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك } .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، عن سعيد رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته ببسم الله الرحمن الرحيم . وكان مسيلمة قد تسمّى الرحمن ، فكان المشركون إذا سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : قد ذكر مسيلمة إله اليمامة ، ثم عارضوه بالمكاء والتصدية والصفير . فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك . . . } الآية .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن شق ذلك على المشركين ، فيؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بالشتم - وذلك بمكة - فأنزل الله : يا محمد { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } لا تخفض صوتك حتى لا تسمع أذنيك { وابتغ بين ذلك سبيلاً } يقول : اطلب الإعلان والجهر ، وبين التخافت والجهر طريقاً . . . لا جهراً شديداً ولا خفضاً حتى لا تسمع أذنيك . فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ترك هذا كله .

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان ، عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا قرأ خفض . وكان عمر رضي الله عنه إذا قرأ جهر . فقيل لأبي بكر رضي الله عنه : لم تصنع هذا ؟ قال : أناجي ربي وقد علم حاجتي . وقيل لعمر رضي الله عنه : لم تصنع هذا ؟ قال : اطرد الشيطان وأوقظ الوسنان . فلما نزلت { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قيل لأبي بكر رضي الله عنه : ارفع شيئاً . وقيل لعمر رضي الله عنه : اخفض شيئاً .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال : كان أبو بكر رضي الله عنه إذا صلى من الليل خفض صوته جداً ، وكان عمر رضي الله عنه إذا صلى رفع صوته جداً . فقال عمر رضي الله عنه : يا أبا بكر ، لو رفعت من صوتك شيئاً . وقال أبو بكر رضي الله عنه : يا عمر ، لو خفضت من صوتك شيئاً . فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بأمرهما فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها . . . } الآية . فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فقال : «يا أبا بكر ، ارفع من صوتك شيئاً . وقال لعمر رضي الله عنه : اخفض من صوتك شيئاً » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف ، والبخاري ومسلم وأبو داود في الناسخ ، والبزار والنحاس وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : إنما نزلت هذه الآية { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } في الدعاء .

وأخرج ابن جرير والحاكم ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : نزلت هذه الآية في التشهد { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها في قوله : { ولا تجهر بصلاتك } قال : نزلت في المسألة والدعاء .

وأخرج محمد بن نصر وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء وآذاه المشركون ، فنزل { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } .

وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في تاريخه وابن المنذر وابن مردويه ، عن دراج أبي السمح : أن شيخاً من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «{ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } إنما نزلت في الدعاء ، لا ترفع صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتسمع منك فتعير بها » .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجهر بصلاتك } قال : نزلت في الدعاء ، كانوا يجهرون بالدعاء : اللهم ارحمني . فلما نزلت ، أمروا أن يخافتوا ولا يجهروا .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر ، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال : كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : اللهم ارزقنا إبلاً وولداً . فنزلت هذه الآية { ولا تجهر بصلاتك } .

وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ولا تجهر بصلاتك } قال : ذلك في الدعاء والمسألة .

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجهر بصلاتك } ولا تصلِّ مراياة الناس { ولا تخافت بها } قال : لا تدعها مخافة الناس .

وأخرج ابن عساكر عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قال : لا تُصلِّها رياء ولا تدعها حياء .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجهر بصلاتك } لا تجعلها كلها جهراً { ولا تخافت بها } قال : لا تجعلها كلها سراً .

وأخرج ابن أبي داود في المصاحف ، عن أبي رزين رضي الله عنه قال : في قراءة عبد الله بن عمر { ولا تخافت } بصوتك ولا تعال به .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ، عن ابن مسعود قال : لم يخافت من أسمع أذنيه .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال : العلم خير من العمل ، وخير الأمور أوسطها ، والحسنة بين تلك السيئتين ، وذلك لأن الله تعالى يقول : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً } .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي قلابة قال : خير الأمور أوسطها .