غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} (110)

90

ثم أرد أن يعلمهم كيفية الخشوع والدعاء فقال :{ قل ادعوا } عن ابن عباس : سمعه أبو جهل يقول : يا الله يا رحمن . فقال : إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهاً آخر . وقيل : أن أهل الكتاب قالوا : إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فنزلت . قال جار الله : الدعاء بمعنى التسمية لا النداء وهو يتعدى إلى مفعولين . تقول : دعوته زيداً ثم تترك أحدهما استغناء عنه فتقول : دعوت زيداً و " أو " للتخيير والمعنى على السبب الأول سموه بهذا الاسم أو بهذا ، وعلى السبب الثاني اذكروا إما هذا وإما هذا { أياماً تدعوا } يعني أي هذين الاسمين سميتم وذكرتم فالتنوين عوض عن المضاف إليه " وما " صلة زيدت لتأكيد الإبهام . والضمير " في { فله } لا يرجع إلى أحد الاسمين ولكن إلى مسماهما ، وكان أصل الكلام أن يقال : فهو أي ذلك الاسم حسن فوضع موضعه . قوله : { فله الأسماء الحسنى } . لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان . ومعنى حسن الأسماء استقلالها بنعوت الجلال والإكرام وقد مر في آخر " الأعراف " .

ثم ذكر كيفية أخرى للدعاء فقال : { ولا تجهر بصلاتك } أي بقراءة صلاتك على حذف المضاف للعلم بأن الجهر والمخافتة من نعوت الصوت لا الصلاة أفعالها فهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء ، ومنه يقال : خفت صوته خفوتاً إذا انقطع كلامه أو ضعف وسكن ، وخفت الزرع إذا ذبل ، وخافت الرجل بقراءته إذا لم يبين قراءته برفع الصوت . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته لعله أو من إطلاق الصلاة على بعض أفعالها فهو ألح تأمل . مصححه بالقراءة ، فإذا سمعه المشركون سبوه وسبوا من جاء به فأوحى الله إليه { ولا تجهر بصلاتك } فيسمعه المشركون فيسبوا الله عدواً بغير علم { ولا تخافت بها } فلا تسمع أصحابك { وابتغ بين ذلك } الذي ذكر من الجهر المخافتة { سبيلاً } وسطاً ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالليل دور الصحابة فكان أبو بكر يخفي صوته في صلاته ويقول : أناجي ربي وقد علم حاجتي . وكان عمر يرفع صوته ويقول : أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يرفع صوته قليلاً ، وأمر عمر أن يخفض قليلاً فنزلت الآية على حسب ذلك . وقيل : معناه ولا تجهر بصلاتك كلها ، ولا تخافت بها كلها . وابتغ بين ذلك سبيلاً بأن تجهر بصلاة الليل ، وتخافت بصلاة النهار ، وعن عائشة وأبي هريرة ومجاهد أن الصلاة ههنا الدعاء . وقد يروى هذا مرفوعاً قال الحسن : لا يرائي بعلانيتها ولا يسيء بسريرتها ، وأيضاً في الجهر إسماع غيره الذنوب وهو الموجب للتغيير والتوبيخ ، وعلى هذا ذهب قوم إلى أن الآية منسوخة بقوله : { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } [ الأعراف : 55 ] قال جار الله : ابتغاء السبيل مثل لابتغاء الوجه الوسط في القراءة .

/خ111