تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

{ رِجَالٌ } خص هذين الوقتين لشرفهما ولتيسر السير فيهما إلى الله وسهولته . ويدخل في ذلك ، التسبيح في الصلاة وغيرها ، ولهذا شرعت أذكار الصباح والمساء وأورادهما عند الصباح والمساء . أي : يسبح فيها الله ، رجال ، وأي : رجال ، ليسوا ممن يؤثر على ربه دنيا ، ذات لذات ، ولا تجارة ومكاسب ، مشغلة عنه ، { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ } وهذا يشمل كل تكسب يقصد به العوض ، فيكون قوله : { وَلَا بَيْعٌ } من باب عطف الخاص على العام ، لكثرة الاشتغال بالبيع على غيره ، فهؤلاء الرجال ، وإن اتجروا ، وباعوا ، واشتروا ، فإن ذلك ، لا محذور فيه . لكنه لا تلهيهم تلك ، بأن يقدموها ويؤثروها على { ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم ، ونهاية مقصدهم ، فما حال بينهم وبينها رفضوه .

ولما كان ترك الدنيا شديدا على أكثر النفوس ، وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوبا لها ، ويشق عليها تركه في الغالب ، وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك ، ذكر ما يدعوها إلى ذلك -ترغيبا وترهيبا- فقال : { يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } من شدة هوله وإزعاجه للقلوب والأبدان ، فلذلك خافوا ذلك اليوم ، فسهل عليهم العمل ، وترك ما يشغل عنه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

وقوله - تعالى - : { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله } مدح وتكريم لهؤلاء الرجال .

أى : يسبح الله - تعالى - فى تلك المساجد بالغدو والآصال ، رجال من شأنهم ومن صفاتهم ، أنهم لا يشغلهم ، " تجارة " مهما عظمت ، " ولا بيع " ، مهما اشتدت حاجتهم إليه " عن ذكر الله " أى : عن تسبيحه وتحميده وتكبيره وتمجيده وطاعته .

ولا تشغلهم - أيضا - هذه التجارات والبيوع عن " إقام الصلاة " فى مواقيتها بخشوع وإخلاص ، وعن " إيتاء الزكاة " للمستحقين لها .

وذلك لأنهم " يخافون يوما " هائلا شديدا هو يوم القيامة الذى " تتقلب فيه القلوب والأبصار " أى تضطرب فيه القلوب والأبصار فلا تثبت من شدة الهول والفزع .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

قلوب الرجال الذين ( لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) . . والتجارة والبيع لتحصيل الكسب والثراء . ولكنهم مع شغلهم بهما لا يغفلون عن أداء حق الله في الصلاة ، وأداء حق العباد في الزكاة : ( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ) . . تتقلب فلا تثبت على شيء من الهول والكرب والاضطراب . وهم يخافون ذلك اليوم فلا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

وقوله : رجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ يقول تعالى ذكره : لا يشغل هؤلاء الرجال الذي يصلّون في هذه المساجد التي أذن الله أن ترفع عن ذكر الله فيها وإقام الصلاة ، تجارة ولا بيع . كما :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن حعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سعيد بن أبي الحسن ، عن رجل نسي اسمه في هذه الآية : فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيها اسمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيها بالغُدُوّ والاَصَالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ . . . إلى قوله : والأبْصَارِ قال : هم قوم في تجاراتهم وبيوعهم ، لا تلهيهم تجاراتهم ولا بيوعهم عن ذكر الله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن دينار ، عن سالم بن عبد الله : أنه نظر إلى قوم من السّوق قاموا وتركوا بباعاتهم إلى الصلاة ، فقال هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه : لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ . . . الآية .

قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، عن سيار ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، نحو ذلك .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هُشَيم ، عن سيار ، قال : حُدثت عن ابن مسعود ، أنه رأى قوما من أهل السوق حيثُ نودي بالصلاة تركوا بِياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة ، فقال عبد الله : هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه : لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ .

وقال بعضهم : معني ذلك : لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عن صلاتهم المفروضة عليهم . ذكر من قال ذلك :

حدّثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : ثم قال : رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ يقول : عن الصلاة المكتوبة .

وقوله : وَإقامِ الصّلاةِ يقول : ولا يشغلهم ذلك أيضا عن إقام الصلاة بحدودها في أوقاتها .

وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن ، عن رجل نسي عوف اسمه في : وَإقامِ الصّلاةِ قال : يقومون للصلاة عند مواقيت الصلاة .

فإن قال قائل : أو ليس قوله : وَإقامِ الصّلاةِ مصدرا من قوله أقمت ؟ قيل : بلى . فإن قال : أو ليس المصدر منه إقامة ، كالمصدر من آجرت إجارة ؟ قيل : بلى . فإن قال : وكيف قال : وَإقامِ الصّلاةِ ، أو تجيز أن نقول : أقمت إقاما ؟ قيل : ولكني أجيز : أعجبني إقام الصلاة . فإن قيل : وما وجه جواز ذلك ؟ قيل : إن الحكم في أقمت إذا جعل منه مصدر أن يقال إقواما ، كما يقال : أقعدت فلانا إقعادا وأعطيته إعطاء ولكن العرب لما سكنت الواو من «أقمت » فسقطت لاجتماعها وهي ساكنة والميم ووهي ساكنة ، بنَوا المصدر على ذلك إذ جاءت الواو ساكنة قبل ألف الإفعال وهي ساكنة ، فسقطت الأولى منهما ، فأبدلوا منها هاء في آخر الحرف ، كالتكثير للحرف ، كما فعلوا ذلك في قولهم : وَعَدته عِدَة ، ووزنته زِنة إذ ذهبت الواو من أوّله ، كثّروه من آخره بالهاء فلما أضيفت الإقامة إلى الصلاة ، حذفوا الزيادة التي كانوا زادوها للتكثير ، وهي الهاء في آخرها لأن الخافض وما خفض عندهم كالحرف الواحد ، فاستغنَوا بالمضاف إليه من الحرف الزائد . وقد قال بعضهم في نظير ذلك :

إنّ الخَلِيطَ أجَدّوا البَيْنَ فانْجَرَدوا *** وأخْلَفوكَ عِدَ الأمْرِ الّذِي وَعَدُوا

يريد : عدة الأمر . فأسقط الهاء من العدة لما أضافها ، فكذلك ذلك في إقام الصلاة .

وقوله : وَإيتاءِ الزّكاةِ قيل : معناه : وإخلاص الطاعة لله . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وأقِيمُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة . وقوله : وأوْصَانِي بالصّلاةِ والزّكاةِ ، وقوله : وَلَوْلا فَضْلُ اللّهُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَدا ، وقوله : وَحَنانا مِنْ لَدُنّا وَزَكاةً ونحو هذا في القرآن ، قال : يعني بالزكاة : طاعة الله والإخرص .

وقوله : يخافُونَ يَوْما تَتَقَلّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصَارُ يقول : يخافون يوما تتقلب فيه القلوب من هوله ، بين طمع بالنجاة وحذر بالهلاك . والأبصار : أيّ ناحية يؤخذ بهم : أذات اليمين أم ذات الشمال ؟ ومن أين يُؤْتون كتبهم : أمن قِبَل الأيمان أو من قبل الشمائل ؟ وذلك يوم القيامة . ) كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عبد الله بن عياش ، قال زيد بن أسلم ، في قول الله : فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ . . . إلى قوله : تَتَقَلّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصَارُ يوم القيامة .