تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

{ 14-18 } { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

يخبر تعالى عن مقالة الأعراب ، الذين دخلوا في الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخولاً من غير بصيرة ، ولا قيام بما يجب ويقتضيه الإيمان ، أنهم ادعوا مع هذا وقالوا : آمنا أي : إيمانًا كاملاً ، مستوفيًا لجميع أموره هذا موجب هذا الكلام ، فأمر الله رسوله ، أن يرد عليهم ، فقال : { قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا } أي : لا تدعوا لأنفسكم مقام الإيمان ، ظاهرًا ، وباطنًا ، كاملاً .

{ وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } أي : دخلنا في الإسلام ، واقتصروا على ذلك .

{ و } السبب في ذلك ، أنه { لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } وإنما آمنتم خوفًا ، أو رجاء ، أو نحو ذلك ، مما هو السبب في إيمانكم ، فلذلك لم تدخل بشاشة الإيمان في قلوبكم ، وفي قوله : { وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي : وقت هذا الكلام ، الذي صدر منكم فكان فيه إشارة إلى أحوالهم بعد ذلك ، فإن كثيرًا منهم ، من الله عليهم بالإيمان الحقيقي ، والجهاد في سبيل الله ، { وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } بفعل خير ، أو ترك شر { لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا } أي : لا ينقصكم منها ، مثقال ذرة ، بل يوفيكم إياها ، أكمل ما تكون لا تفقدون منها ، صغيرًا ، ولا كبيرًا ، { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي : غفور لمن تاب إليه وأناب ، رحيم به ، حيث قبل توبته .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالرد على الأعراب الذين قالوا آمنا ، دون أن يدركوا حقيقة الإِيمان ، وبين من هم المؤمنون الصادقون .

فقال - تعالى - : { قَالَتِ الأعراب آمَنَّا قُل . . . بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .

والإِعراب : اسم جنس لبدو العرب ، واحده أعرابى ، وهم الذين يسكنون البادية .

والمراد بهم هنا جماعة منهم لأكلهم ، لأن منهم ، { مَن يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ الله وَصَلَوَاتِ الرسول ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ } قال الآلوسى : قال مجاهد : نزلت هذه الآيات فى بنى أسد ، وهم قبيلة كانت تسكن بجوار المدينة ، أظهروا الإِسلام ، وقلوبهم دغلة ، إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا . . ويروى أنهم قدموا المدينة فى سنة مجدبة ، فأظهروا الشهادتين ، وكانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جئناك بالأثقال والعيا ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان . . يمنون بذلك على النبى - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله - سبحانه - : { قَالَتِ الأعراب آمَنَّا } من الإِيمان ، وهو التصديق القلبى ، والإِذعان النفسى والعمل بما يقتضيه هذا الإِيمان من طاعة لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله : { أَسْلَمْنَا } من الإِسلام بمعنى الاستسلام والانقياد الظاهرى بالجوارح ، دون أن يخالط الإِيمان شغاف قلوبهم . أى : قالت الأعراب لك - أيها الرسول الكريم - آمنا وصدقنا بقلبونا لكل ما جئت به ، وامتثلنا لما تأمرنا به وتنهانا عنه .

قل لهم { لَّمْ تُؤْمِنُواْ } أى : لم تصدقوا تصديقا صحيحا عن اعتقاد قلب وخلوص نية . .

{ ولكن قولوا أَسْلَمْنَا } أى : ولكن قولوا نطقنا بكلمة الإِسلام : واستسلمنا لما تدعونا إليه إستسلاما ظاهريا طمعا فى الغنائم ، أو خفوا من القتل .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما وجه قوله - تعالى - : { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قولوا أَسْلَمْنَا } والذى يقتضيه نظم الكلام أن يقال : قل لا تقولوا آمنا ، ولكن قولوا أسلمنا . .

قلت : أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أولا ، ودفع ما انتحلوه ، فقيل : قل لم تؤمنوا ، وروعى فى هذا النوع من التكذيب أدب حسن حين لم يصرح بلفظه ، حيث لم يقل : كذبتم ، ووضع ، " لم تؤمنوا " الذى هو نفى ما ادعوا إثباته موضعه . .

واستغنى بالجملة التى هى " لم تؤمنوا " عن أن يقال : لا تقولوا آمنا ، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤداه النهى عن القول بالإِيمان . .

وقوله : { وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ } جملة حالية من ضمير ، " قولوا " و " لما " لفظ يفيد توقع حصول الشيئ الذى لم يتم حصوله .

أى : قولوا أسلمنا والحال أنه لم يستقر الإِيمان فى قلوبكم بعد ، فإنه لو استقر فى قلوبكم لما سلكتم هذا المسلك ، ولما مننتم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإسلامكم .

قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : وقد استفيد من هذه الآية الكريمة : أن الإِيمان أخص من الإِسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، ويدل عليه حديث جبريل ، حين سأل عن الإِسلام .

ثم عن الإِيمان . . فترقى من الأعم إلى الأخص .

كما يدل على ذلك حديث الصحيحين " عن سعد بن أبى وقاص ، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطى رجلا ولم يعط آخر . فقال سعد : يا رسول الله ، مالك عن فلان إنى لأراه مؤمنا ، فقال : " أو مسلما " " .

فقد فرق - صلى الله عليه وسلم - بين المؤمن والمسلم . فدل على أن الإِيمان أخص من الإِسلام .

كما دل هنا عن أن هؤلاء الأعراب المذكورين فى هذه الآية ، إنما هم مسلمون لم يستحكم الإِيمان فى قلوبهم . فادعو لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه ، فأدبوا بذلك . .

ثم أرشدهم - سبحانه - إلى ما يكمل إيمانهم فقال : { وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

ومعنى : " لا يلتكم " لا ينقصكم . يقال : لات فلان فلانا حقه - كباع - إذا نقصه .

أى : وإن تطيعوا الله - تعالى - ورسوله ، بأن تخلصوا العبادة ، وتتركوا المن والطمع ، لا ينصكم - سبحانه - من أجور أعمالكم شيئا ، إن الله - تعالى - واسع المغفرة والرحمة لعباده التائبين توبة صادقة نصوحا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنّا قُل لّمْ تُؤْمِنُواْ وَلََكِن قُولُوَاْ أَسْلَمْنَا وَلَمّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : قالت الأعراب : صدّقنا بالله ورسوله ، فنحن مؤمنون ، قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهم لَمْ تُؤْمِنُوا ولستم مؤمنين وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا . وذُكر أن هذه الاَية نزلت في أعراب من بني أسد . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : قالَتِ الأَعْرَابُ آمَنّا قال : أعراب بني أسد بن خُزيمة .

واختلفت أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الأعراب : قولوا أسلمنا ، ولا تقولوا آمنا ، فقال بعضهم : إنما أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك ، لأن القوم كانوا صدّقوا بألسنتهم ، ولم يصدّقوا قولهم بفعلهم ، فقيل لهم : قولوا أسلمنا ، لأن الإسلام قول ، والإيمان قول وعمل ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري قالَتِ الأَعْرَاب آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا قال : إن الإسلام : الكلمة ، والإيمان : العمل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، وأخبرني الزهريّ ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم رجالاً ، ولم يعط رجلاً منهم شيئا ، فقال سعد : يا رسول الله أعطيت فلانا وفلانا ، ولم تُعط فلانا شيئا ، وهو مؤمن ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أوْ مُسْلِمٌ » ؟ حتى أعادها سعد ثلاثا ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «أوْ مُسْلِمٌ » ، ثم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «إنّي أُعْطِي رِجالاً وأَدَعُ مَنْ هُوَ أحَبّ إليّ مِنْهُمْ ، لا أُعْطِيهِ شَيْئا مَخافَةَ أنْ يُكَبّوا فِي النّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قَالتِ الأعْرَابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا قال : لم يصدّقوا إيمانهم بأعمالهم ، فردّ الله ذلك عليهم قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا ، وأخبرهم أن المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، أولئك هم الصادقون ، صدّقوا إيمانهم بأعمالهم فمن قال منهم : أنا مؤمن فقد صدق قال : وأما من انتحل الإيمان بالكلام ولم يعمل فقد كذب ، وليس بصادق .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مُغيرة ، عن إبراهيم وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا قال : هو الإسلام .

وقال آخرون : إنما أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقيل ذلك لهم ، لأنهم أرادوا أن يتسموا بأسماء المهاجرين قبل أن يهاجروا ، فأعلمهم الله أن لهم أسماء الأعراب ، لا أسماء المهاجرين . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قالَتِ الأعْرَابُ آمَنّا . . . الاَية ، وذلك أنهم أرادوا أن يتسَمّوا باسم الهجرة ، ولا يتسَمّوا بأسمائهم التي سماهم الله ، وكان ذلك في أوّل الهجرة قبل أن تنزل المواريث لهم .

وقال آخرون : قيل لهم ذلك لأنهم منوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم ، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم لم تؤمنوا ، ولكن استسلمتم خوف السباء والقتل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قالَتِ الأعْرَابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولعمري ما عمت هذه الاَية الأعراب ، إن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الاَخر ، ولكن إنما أُنزلت في حيّ من أحياء الأعراب امتنوا بإسلامهم على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أسلمنا ، ولم نقاتلك ، كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ، فقال الله : لا تقولوا آمنا ، ولكن قولوا أسلمنا حتى بلغ في قلوبكم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا قال : لم تعمّ هذه الاَية الأعراب ، إن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الاَخر ، ويتخذ ما ينفق قربات عند الله ، ولكنها في طوائف من الأعراب .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن رَباح ، عن أبي معروف ، عن سعيد بن جُبَير قالَت الأعْرَابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا قال : استسلمنا لخوف السباء والقتل .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد قُولُوا أسْلَمْنا قال : استسلمنا .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وقرأ قول الله قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا استسلمنا : دخلنا في السلم ، وتركنا المحاربة والقتال بقولهم : لا إله إلاّ الله ، وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حتى يَقُولُوا لا إلَهَ إلاّ اللّهُ ، فإذا قالُوا لا إلَهَ إلاّ اللّهُ ، عَصَمُوا مِنّي دِماءَهُمْ وأمْوَالَهُمْ إلاّ بِحَقّها وَحِسابُهُمْ على اللّهِ » .

وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك القول الذي ذكرناه عن الزهريّ وهو أن الله تقدّم إلى هؤلاء الأعراب الذين دخلوا في الملة إقرارا منهم بالقول ، ولم يحققوا قولهم بعملهم أن يقولوا بالإطلاق آمنا دون تقييد قولهم بذلك بأن يقولوا آمنا بالله ورسوله ، ولكن أمرهم أن يقولوا القول الذي لا يشكل على سامعيه والذي قائله فيه محقّ ، وهو أن يقولوا أسلمنا ، بمعنى : دخلنا في الملة والأموال ، والشهادة الحقّ .

قوله : وَلمّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ يقول تعالى ذكره : ولما يدخل العلم بشرائع الإيمان ، وحقائق معانيه في قلوبكم .

وقوله : وَإنْ تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ أعمالِكُمْ شَيئا يقول تعالى ذكره : لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الأعراب القائلين آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ، إن تطيعوا الله ورسوله أيها القوم ، فتأتمروا لأمره وأمر رسوله ، وتعملوا بما فرض عليكم ، وتنتهوا عما نهاكم عنه ، لا يَلِتْكُمْ مِنْ أعمالِكُمْ شَيْئا يقول : لا يظلمكم من أجور أعمالكم شيئا ولا ينقصكم من ثوابها شيئا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لا يَلِتْكُمْ لا ينقصكم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله لا يَلِتْكُمْ مِنْ أعمالِكُمْ شَيْئا يقول : لن يظلمكم من أعمالكم شيئا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في وَإنْ تُطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ قال : إن تصدقوا إيمانكم بأعمالكم يقبل ذلك منكم . وقرأت قرّاء الأمصار لا يَلِتْكُمْ مِنْ أعمالِكُم بغير همز ولا ألف ، سوى أبي عمرو ، فإنه قرأ ذلك «لا يأَلَتْكُمْ » بألف اعتبارا منه في ذلك بقوله : وَما ألَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهمْ مِنْ شَيْءٍ فمن قال : ألت ، قال : يألت . وأما الاَخرون فإنهم جعلوا ذلك من لات يليت ، كما قال رُؤبةُ بن العجاج :

وَلَيْلَةٍ ذَاتِ نَدًى سَرَيْتُ *** ولَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاها لَيْتُ

والصواب من القراءة عندنا في ذلك ، ما عليه قرّاء المدينة والكوفة لا يَلِتْكُمْ بغير ألف ولا همز ، على لغة من قال : لات يليت ، لعلتين : إحداهما : إجماع الحجة من القرّاء عليها . والثانية أنها في المصحف بغير ألف ، ولا تسقط الهمزة في مثل هذا الموضع ، لأنها ساكنة ، والهمزة إذا سكنت ثبتت ، كما يقال : تأمرون وتأكلون ، وإنما تسقط إذا سكن ما قبلها ، ولا يحمل حرف في القرآن إذا أتى بلغة على آخر جاء بلغة خلافها إذا كانت اللغتان معروفتين في كلام العرب . وقد ذكرنا أن ألت ولات لغتان معروفتان من كلامهم .

وقوله : إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول تعالى ذكره : إن الله ذو عفو أيها الأعراب لمن أطاعه ، وتاب إليه من سالف ذنوبه ، فأطيعوه ، وانتهوا إلى أمره ونهيه ، يغفر لكم ذنوبكم ، رحيم بخلقه التائبين إليه أن يعاقبهم بعد توبتهم من ذنوبهم على ما تابوا منه ، فتوبوا إليه يرحمكم . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ غفور للذنوب الكثيرة أو الكبيرة ، شكّ يزيد ، رحيم بعباده .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

{ قالت الأعراب آمنا } نزلت في نفر من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ، وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتيناك بالأثقال والعيال ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون . { قل لم تؤمنوا } إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب ، ولم يحصل لكم إلا لما مننتم على الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسلام وترك المقاتلة كما دل عليه آخر السورة . { ولكن قولوا أسلمنا } فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار الشهادتين وترك المحاربة ، يشعر به وكان نظم الكلام أن يقول لا تقولوا آمنا { ولكن قولوا أسلمنا } ، أو لم تؤمنوا ولكن أسلمتم فعدل منه إلى هذا النظم احترازا من النهي عن القول بالإيمان والجزم بإسلامهم ، وقد فقد شرط اعتباره شرعا . { ولما يدخل الإيمان قلوبكم } توقيت ل { قولوا } فإنه حال من ضميره أي : { ولكن قولوا أسلمنا } ولم تواطئ قلوبكم ألسنتكم بعد . { وإن تطيعوا الله ورسوله } بالإخلاص وترك النفاق . { لا يلتكم من أعمالكم } لا ينقصكم من أجورها . { شيئا } من لات يليت ليتا إذا نقص ، وقرأ البصريان " لا يألتكم " من الألت وهو لغة غطفان . { إن الله غفور } لما فرط من المطيعين . { رحيم } بالتفضل عليهم .