{ قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا } الآية نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة ، ثمّ من بني الحلاف بن الحارث بن سعيد ، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في سنة جدبة ، وأظهروا شهادة أن لا إله إلاّ الله ، ولم يكونوا مؤمنين في السرّ ، وأفسدوا طرق المدينة بالعدوان ، وأغلوا أسعارها ، وكانوا يغدون ، ويروحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون : أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها ، وجئناك بالأفعال ، والعيال والذراري ، يمنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان ، وبنو فلان ، ويريدون الصدقة ، ويقولون : أعطنا ، فأنزل الله سبحانه فيهم هذه الآية .
وقال السدي : نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله في سورة الفتح ، وهم أعراب مزينة ، وجهينة ، وأسلم ، وأشجع ، وغفار ، كانوا يقولون : آمنّا بالله ، ليأمنوا على أنفسهم ، وأموالهم ، فلمّا استُنفروا إلى الحديبية تخلّفوا ، فأنزل الله سبحانه : { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } أي انقَدنَا واستسلمنا مخافة القتل والسبي . { وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } فأخبر أنّ حقيقة الإيمان التصديق بالقلب ، وأنّ الإقرار به باللسان ، وإظهار شرائعه بالأبدان ، لا يكون إيماناً دون الإخلاص الذي محلّه القلب ، وأنّ الإسلام غير الإيمان .
يدلّ عليه ما أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجوزقي ، قرأه عليه محمّد بن زكريا في شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ، قال : أخبرنا أبو العبّاس محمد بن الدغولي ، قال : حدّثنا محمّد بن الليث المروزي ، قال : حدّثنا عبدالله بن عثمان بن عبدان ، قال : حدّثنا عبد الله ابن المبارك ، قال : أخبرنا يونس ، عن الزهري .
قال : أخبرني عامر ، عن سعد بن أبي وقّاص " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُعطي رهطاً ، وسعد جالس فيهم ، فقال سعد : فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً منهم ، فلم يعطه ، وهو أعجبهم إليّ . فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان ؟ فوالله إنّي لأراه مؤمناً ، فقال رسول الله : " أو مُسلماً " .
فسكت قليلاً ، ثمّ غلبني ما أعلم منه ، فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان ، فوالله إنّي لأراه مؤمناً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو مُسلماً " .
فسكتُ قليلاً ، ثمّ غلبني ما أعلم منه ، فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان ، فوالله إنّي لأراه مؤمناً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو مسلماً ، فإنّي لأعطي الرجل ، وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يكبّ في النار على وجهه " " .
فاعلم أنّ الإسلام الدخول في السلم ، وهو الطاعة والانقياد ، والمتابعة ، يقال : أسلم الرجل إذا دخل في السلم وهو الطاعة والانقياد والمتابعة . يقال : أسلم الرجل إذا دخل في السلم ، كما يقال : أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء ، وأصاف إذا دخل في الصيف ، وأربع إذا دخل في الربيع ، وأقحط إذا دخل في القحط ، فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان والأبدان فالجنان ، كقوله عزّ وجلّ لإبراهيم :
{ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ } [ البقرة : 131 ] ، وقوله :
{ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ } [ الذاريات : 35-36 ] .
ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب وذلك قوله : { وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } بيانه قوله سبحانه : { وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } .
{ وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } ظاهراً وباطناً ، سرّاً وعلانيّةً { لاَ يَلِتْكُمْ } ( بالألف ) أبو عمر ، ويعقوب ، واختاره أبو حاتم اعتباراً بقوله :
{ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ } [ الطور : 21 ] يقال ألت يألت ألتاً ، قال الشاعر :
أبلغ بني ثعل عني مغلغلة *** جهد الرسالة لا ألتاً ولا كذبا
وقرأ الآخرون ( يلتكم ) من لات يليت ليتاً ، كقول رؤبة :
وليلة ذات ندىً سريتُ *** ولم يلتني عن سراها ليتُ
ومعناهما جميعاً لا ينقصكم ، ولا يظلمكم . { مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.