البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

ألت يألت : بضم اللام وكسرها ألتاً ، ولات يليت وألات يليت ، رباعياً ، ثلاث لغات حكاها أبو عبيدة ، والمعنى نقص . وقال رؤبة :

وليلة ذات ندى سريت *** ولم يلتني عن سراها ليت

أي : لم يمنعني ولم يحسبني . وقال الحطيئة :

أبلغ سراة بني سعد مغلظة *** جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا

{ قالت الأعراب آمنا } ، قال مجاهد : نزلت في بني أسد بن خزيمة ، قبيلة تجاور المدينة ، أظهروا الإسلام وقلوبهم دخلة ، إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا .

وقيل : مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار قالوا آمنا فاستحققنا الكرامة ، فردّ الله تعالى عليهم بقوله : { قل لم تؤمنوا } ، أكذبهم الله في دعوى الإيمان ، ولم يصرح بإكذابهم بلفظه ، بل بما دل عليه من انتفاء إيمانهم ، وهذا في أعراب مخصوصين .

فقد قال الله تعالى : { ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر } الآية .

{ ولكن قولوا أسلمنا } ، فهو اللفظ الصادق من أقوالكم ، وهو الاستسلام والانقياد ظاهراً ، ولم يواطىء أقوالكم ما في قلوبكم ، فلذلك قال : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } : وجاء النفي بلما الدالة على انتفاء الشيء إلى زمان الإخبار ، وتبين أن قوله : { لم تؤمنوا } لا يراد به انتفاء الإيمان في الزمن الماضي ، بل متصلاً بزمان الإخبار أيضاً ، لأنك إذا نفيت بلم ، جاز أن يكون النفي قد انقطع ، ولذلك يجوز أن تقول : لم يقم زيد وقد قام ، وجاز أن يكون النفي متصلاً بزمن الإخبار .

فإذا كان متصلاً بزمن الإخبار ، لم يجز أن تقول : وقد قام ، لتكاذب الخبرين .

وأما لما ، فإنها تدل على نفي الشيء متصلاً بزمان الإخبار ، ولذلك امتنع لما يقم زيد وقد قام للتكاذب .

والظاهر أن قوله : { لما يدخل الإيمان في قلوبكم } ليس له تعلق بما قبله من جهة الإعراب .

وقال الزمخشري : فإن قلت : هو بعد قوله : { قل لم تؤمنوا } يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة ؛ قلت : ليس كذلك ، فإن فائدة قوله : { لم تؤمنوا } هو تكذيب دعواهم ، وقوله : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } توقيت لما أمروا به أن يقولوه ، كأنه قيل لهم : { ولكن قولوا أسلمنا } حين لم يثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم ، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قوله : { قولوا } . انتهى .

والذي يظهر أنهم أمروا أن يقولوا : { قولوا أسلمنا } غير مقيد بحال ، وأن { ولما يدخل الإيمان } إخبار غير قيد في قولهم .

وقال الزمخشري : وما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد .

انتهى ، ولا أدري من أي وجه يكون ما نفي بلما يقع بعد ولما ، إنما تنفي ما كان متصلاً بزمان الإخبار ، ولا تدل على ما ذكر ، وهي جواب لقد فعل ، وهب أن قد تدل على توقع الفعل .

فإذا نفي ما دل على التوقع ، فكيف يتوهم أنه يقع بعد : { وإن تطيعوا الله ورسوله } بالإيمان والأعمال ؟ وهذا فتح لباب التوبة .

وقرأ الجمهور : { لا يلتكم } ، من لات يليت ، وهي لغة الحجاز .

والحسن والأعرج وأبو عمرو : ولا يألتكم ، من ألت ، وهي لغة غطفان وأسد .