الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

قوله : { وَلَمَّا يَدْخُلِ } : هذه الجملةُ مستأنفةٌ أخبر تعالى بذلك . وجعلها الزمخشريُّ حالاً من الضميرِ في " قولوا " . وقد تقدَّم الكلامُ في " لَمَّا " وما تدلُّ عليه والفرقُ بينها وبينَ " لم " . وقال الزمخشري : " فإنْ قلت : هو بعدَ قولِه : " لم تؤمنوا " يُشْبِهُ التكريرَ من غير استقلالٍ بفائدةٍ مُتَجدِّدة . قلت : ليس كذلك فإنَّ فائدةَ قولِه : " لم تؤمنوا " هو تكذيبُ دَعْواهم . و " لَمَّا يَدْخُل " توقيتٌ لِما أُمِروا به أَنْ يقولوه " ثم قال : " وما في " لَمَّا " مِنْ معنى التوقع دليلٌ على أنَّ هؤلاء قد آمنوا فيما بعدُ " . قال الشيخ : " ولا أدري مِنْ أيِّ وجه يكونُ المنفيُّ ب " لَمَّا " يقعُ بعدُ " ؟ قلت : لأنَّها لنفيِ قد فَعَلَ ، و " قد " للتوقع .

قوله : { لاَ يَلِتْكُمْ } قرأ أبو عمروٍ و " لا يَأْلِتْكُمْ " بالهمز مِنْ أَلَتَه يَأْلُتُهُ بالفتح في الماضي ، والكسرِ والضم في المضارع ، والسوسيُّ يُبْدل الهمزةَ ألفاً على أصلِه . والباقون " يَلِتْكم " مِنْ لاته يَليتُه كباعه يَبيعه ، وهي لغةُ الحجازِ ، والأولى لغة غطفانَ وأَسَدٍ . وقيل : هي مِنْ وَلَتَه يَلِتُه كوَعَده يَعِدُه ، فالمحذوفُ على القولِ الأول عينُ الكلمةِ ووزنُها يَفِلْكم ، وعلى الثاني فاؤُها ووزنها يَعِلْكم . ويقال أيضاً : ألاتَه يُليته/ كأَباعه يُبِيعه ، وآلتَهَ يُؤْلِتُه كآمَنَ يُؤْمِنُ . وكلُّها لغاتٌ في معنى : نَقَصَه حَقَّه . قال الحطيئة :

أَبْلِغْ سَراةَ بني سعدٍ مُغَلْغَلَةً *** جَهْدَ الرسالةِ لا أَلْتاً ولا كَذِباً

وقال رؤبة :

وليلةٍ ذاتِ ندىً سَرَيْتُ *** ولم يَلِتْني عن سُراها ليتُ

أي : لم يَمْنَعْني ويَحْبِسْني .