تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

{ وَقَدْ مَكَرُوا } أي : المكذبون للرسل { مَكْرَهُمْ } الذي وصلت إرادتهم وقدر لهم عليه ، { وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ } أي : هو محيط به علما وقدرة فإنه عاد مكرهم عليهم { ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله }

{ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } أي : ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق وبمن جاء به -من عظمه- لتزول الجبال الراسيات بسببه عن أماكنها ، أي : { مكروا مكرا كبارا } لا يقادر قدره ولكن الله رد كيدهم في نحورهم .

ويدخل في هذا كل من مكر من المخالفين للرسل لينصر باطلا ، أو يبطل حقا ، والقصد أن مكرهم لم يغن عنهم شيئا ، ولم يضروا الله شيئا وإنما ضروا أنفسهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك لونا آخر من ألوان عراقتهم فى الكفر والجحود فقال : { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ } .

والمكر : تبييت فعل السوء بالغير وإضماره ، مع إظهار ما يخالف ذلك . وانتصب { مكرهم } الأول على أنه مفعول مطلق لمكروا ، لبيان النوع ، والإِضافة فيه من إضافة المصدر لفاعله .

أى : أن هؤلاء الظالمين جاءتهم العبر فلم يعتبروا ، بل أضافوا إلى ذلك أنهم مكروا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - مكرهم العظيم الذى استفرغوا فيه جهدهم لإِبطال الحق ، وإحقاق الباطل ، والذى كان من مظاهره محاولتهم قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله { وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ } أى : وفى علم الله - تعالى - الذى لا يغيب عنه شئ مكرهم ، وسيجازيهم عليه بما يستحقونه من عذاب مهين .

وقوله - تعالى { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال } قرأ الجمهور { لتزول } بكسر اللام على أنها لام الجحود والفعل منصوب بعدها . بأن مضمره وجوبا ، و " إن " فى قوله { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ } نافبة بمعنى ما .

والمعنى : ولقد مكر هؤلاء الكافرون مكرهم الشديد الذى اشتهروا به ، وفى علم الله - تعالى - مكرهم ، وما كان مكرهم - مهما عظم واشتد - لتنتقل منه الجبال من أماكنها ، لأنه لم يتجاوز أمثالهم ممن دمرناهم تدميرا .

وعلى هذه القاءة يكون المقصود بهذه الجملة الكريمة ، الاستخفاف بهم وبمكرهم ، وبيان أن ما يضمرونه من سوء ليس خافيا على الله - تعالى - ولن يزلزل المؤمنين فى عقيدتهم ، لأن إيمانهم كالجبال الرواسى فى ثباته ورسوخه .

وقرأ " السكائى " { لِتَزُولَ } - بفتح اللام على أنها لام الابتداء ، ورفع الفعل بعدها - و " إن " مخففة من الثقيلة .

فيكون المعنى : وقد مكروا مكرهم ، وعند الله مكرهم ، وإن مكرهم من الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقلع من أماكنها ، لو كان لها أن تزول أو تنقلع .

وعلى هذه القراءة يكون المراد بهذه الجملة الكريمة التعظيم والتهويل من شأن مكرهم ، وأنه أمر شنيع أو شديد فى بابه ، كما فى قوله - تعالى - : { وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً . لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً . تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً . . }