فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

{ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ } الجملة في محل نصب على الحال ، أي : فعلنا بهم ما فعلنا ، والحال أنهم قد مكروا في ردّ الحق وإثبات الباطل مكرهم العظيم ، الذي استفرغوا فيه وسعهم { وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ } أي : وعند الله جزاء مكرهم ، أو وعند الله مكتوب مكرهم فهو مجازيهم ، أو وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به ، على أن يكون المكر مضافاً إلى المفعول ، قيل : والمراد بهم : قوم محمد صلى الله عليه وسلم مكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم حين هموا بقتله أو نفيه . وقيل : المراد ما وقع من النمروذ حيث حاول الصعود إلى السماء ، فاتخذ لنفسه تابوتاً ، وربط قوائمه بأربعة نسور . { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال } قرأ عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبي «وإن كاد مكرهم » بالدال المهملة مكان النون . وقرأ غيرهم من القراء ( وإن كان ) بالنون . وقرأ ابن محيص ، وابن جريج ، والكسائي «لتزول » بفتح اللام على أنها لام الابتداء ، وقرأ الجمهور بكسرها على أنها لام الجحود . قال ابن جرير : الاختيار هذه القراءة ، يعني : قراءة الجمهور ؛ لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة ، فعلى قراءة الكسائي ومن معه تكون إن هي المخففة من الثقيلة . واللام هي الفارقة ، وزوال الجبال مثل لعظم مكرهم وشدّته ، أي : وإن الشأن كان مكرهم معدّاً لذلك . قال الزجاج : وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال ، فإن الله ينصر دينه . وعلى قراءة الجمهور يحتمل وجهين : أحدهما أن تكون «إن » هي المخففة من الثقيلة ، والمعنى كما مرّ . والثاني : أن تكون نافية ، واللام المكسورة لتأكيد النفي كقوله : { وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم } [ البقرة : 143 ] والمعنى : ومحال أن تزول الجبال بمكرهم ، على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه الثابتة على حالها مدى الدهر ، فالجملة على هذا حال من الضمير في { مكروا } لا من قوله : { وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ } أي : والحال أن مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال .

/خ46