الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

{ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ } أي جزاء مكرهم { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ } .

قرأه العامة : بالنون .

وقرأ عمر وعلي وأبن مسعود : وأُبيّ : وإن كاد مكرهم ما يزال .

{ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } . قرأه العامة : بكسر اللام الأول وفتح الثانية .

وقرأ ابن جريج والكسائي : بفتح الميم الأُولى وضم الثانية بمعنى قراءة العامة الزجاج في قوله { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } ، أي ما كان مكرهم لتزول .

أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الإسلام وثبوته كثبوت الجبال الراسخة ؛ لأن الله وعده إظهار دينه على الأديان كلّها ، وقيل معناه : كان مكرهم .

قال الحسن : إن كان مكرهم لأوهن وأضعف من أن يزول منه الجبال ، وقال خمس مواضع في القرآن ( إن ) بمعنى ( ما ) قوله { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ } ، وقوله :

{ لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } [ الأنبياء : 17 ] وقوله :

{ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ]

{ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } [ الأحقاف : 26 ] وقوله

{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } [ يونس : 94 ] ومن فتح اللام الأُولى فعلى استعظام مكرهم .

قال ابن جرير : الاختيار القراءة الأُولى ؛ لأنها لو كانت قالت لم يكن ثابتة وكان مكرهم ما ذكره علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وغيره قالوا : نمرود الجبار الذي حاج إبراهيم في ربه قال : إن كان ما يقوله إبراهيم حقاً فلا انتهي حتى أعلم ما في السماء ، فعمد إلى أربعة أفراخ من النسور وعلفها اللحم وربّاها حتى شبت واستعلجت ثم قعد في تابوت وجعل معه رجلا آخر ، وجعل له باباً من أعلى وباباً من أسفل وربط التابوت بأرجل النسور وعلق اللحم فوق التابوت على عصا ثم خلى النسور فطرن وصعدن طمعاً في اللحم حتى بعدن في الهواء .

قال نمرود لصاحبه افتح الباب الأول وانظر في السماء هل ترى منه شيئاً ففتح ونظر ، فقال : إن السماء كهيئتها ثم قال : افتح الباب الأسفل وانظر إلى الأرض كيف تراها ففعل ذلك فقال أرى الأرض مثل اللجة البيضاء ، والجبال مثل الدخان ، وطارت النسور وارتفعت حتى حالت بينها وبين التابوت فقال لصاحبه افتح البابين ففتح الأعلى فإذا السماء كهيئتها وفتح الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة ، ونودي : أيها الطاغية أين تريد .

قال عكرمة : كان معه في التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب فرمى عليهم فعاد إليه السهم متلطخاً بدم . فقال : كفيت نفسك إله السماء

واختلفوا في ذلك السهم من أي شيء تلطخ .

قال عكرمة : سمكة فدت نفسها لله من بحر في الهواء معلق .

وقال بعضهم : من طائر من الطيور أصابه السهم .

قالوا : ثم أمر نمرود صاحبه أن يضرب العصا وأن ينكس اللحم ففعل ذلك فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال حفيف التابوت في النسور ففزعت وظنت أن قد حدث بها حدث في السماء أو أن القيامة قد قامت فذلك قوله { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } .