بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

ثم قال تعالى : { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ } يعني : صنعوا صنيعهم . يعني : الأمم الخالية { وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ } يعني : علم الله مكرهم ، ولا يخفى عليه ، قال علي بن أبي طالب : { وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ } التابوت ، والنسور ، وهم نمرود بن كنعان وقومه . وروى وكيع بإسناده عن عليّ رضي الله عنه قال : إن جباراً من الجبابرة قال : لا انتهي حتى أعلم ما في السماء ، فاتخذ أفراخ نسور ، ثم أمر بها ، فأطعمت اللحم حتى اشتدت ، وغلظت ، واستفحلت ، فاتخذ تابوتاً يسع فيه رجلان ، ثم أمر بالنسور ، فجوعت ، ثم ربط أرجلها بالأوتاد ، وشدت بقوائم التابوت ، وجعل في وسط التابوت اللحم ، ثم جلس في التابوت ، هو ورجل معه ، ثم أرسل النسور ، وجعل اللحم على رأس خشبة على التابوت ، فطارت النسور إلى السماء ما شاء الله . ثم قال لصاحبه انظر ماذا ترى ؟ فنظر فقال : أرى الجبال كأنها الدخان . ثم سار ما شاء الله . ثم قال : انظر فنظر ، فقال : ما أرى إلا السماء ، وما نزداد منها إلا بعداً . قال : نكس الخشبة ، فانقضت النسور ، حتى سقطت إلى الأرض ، فسمع هزة الجبال ، فكادت الجبال أن تزول من أماكنها . ثم قرأ عليّ رضي الله عنه { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال } أي : وقد كان مكرهم ليزيل الجبال عن أماكنها . ويقال : إن نمرود بن كنعان هو أول من تجبر ، وقهر ، وسن سنن السوء ، وأول من لبس التاج ، فأهلكه الله تعالى ببعوضة في خياشمه ، فعذب بها أربعين يوماً ثم مات . وقال قتادة : { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال } يعني : الكفار ادعوا لله تعالى ولداً . فكاد أن تزول الجبال . ويقال : يعني : أهل مكة مكروا في دار الندوة ، وقد كاد مكرهم أن يزول منهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمر دين الإسلام . إذ ثبوته كثبوت الجبال ، لأن الله تعالى وعد لنبيه صلى الله عليه وسلم إظهار دين الإسلام بدليل ما قال بعد هذا { فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ }