الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

وقوله : { وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ } [ إبراهيم : 46 ] .

أي : جزاء مكرهم ، وقرأ السبعة سوى الكسائِيِّ : «وإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ » بكسر اللام من «لِتَزُولَ » وفتح الأخيرة ، وهذا على أن تكون «إِنْ » نافيةً بمعنى «مَا » ، ومعنى الآية تحقيرُ مَكْرِهم ، وأنه مَا كَانَ لِتَزُولَ منه الشرائعُ والنبوَّاتُ وأقدارُ اللَّه بها التي هي كالْجِبَالِ في ثبوتها وقوَّتها ، هذا هو تأويلُ الحَسَن وجماعة المفسِّرين وتحتملُ عندي هذه القراءةُ أنْ تكونَ بمعنى تَعْظِيمِ مَكْرهم ، أي : وإِن كان شديداً ، وقرأ الكسائيّ : «وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبَالُ » بفتح اللام الأولَى من { لَتَزُولُ } ، وضمِّ الأخيرة ، وهي قراءة ابن عبَّاس وغيره ، ومعنى الآية : تعظيمُ مكرِهِمْ وشدَّتُه ، أي : أنه مما يشقى به ، ويزيلُ الجبالَ عن مستقرَّاتها ، لقوَّته ، ولكنَّ اللَّه تعالى أبطله ونَصَرَ أولياءه ، وهذا أشَدُّ في العبرة ، وقرأ علي وابن مسعود وعمر بن الخطاب وأبيٌّ : «وإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ » ، وذكر أبو حاتم أنَّ في قراءة أبيٍّ : «وَلَوْلاَ كَلِمَةُ اللَّهِ لَزَالَ مِنْ مَكْرِهِمُ الجِبَالُ » .