غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

35

ثم حكى مكر أولئك الظلمة فقال :{ وقد مكروا مكرهم } أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم . وقيل : الضمير عائد إلى قوم محمد صلى الله عليه وسلم كما قال : { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك } [ الأنفال :30 ] وقيل : أراد ما نقل أن نمروذ حاول الصعود إلى السماء فاتخذ لنفسه تابوتاً وربط قوائمه الأربع بأربع نسور ، وكان قد جوعها ورفع من الجوانب الأربعة على التابوت عصياً أربعاً وعلق على كل واحدة منها قطعة من اللحم ، ثم إنه جلس مع صاحبه في ذلك التابوت . فلما أبصرت النسور ذلك اللحم تصاعدت في جو الهواء ثلاثة أيام وغابت الأرض عن عين نمروذ ورأى السماء بحالها ، فعكس تلك العصيّ التي عليها اللحوم فهبطت النسور إلى الأرض . وضعفت هذه الرواية لأنه لا يكاد يقدم عاقل على مثل هذا الخطر . { وعند الله مكرهم } إن كان مضافاً إلى الفاعل فالمعنى ومكتوب عند الله مكرهم فيجازيهم عليه بأعظم من ذلك ، وإن كان مضافاً إلى المفعول فمعناه وعنده مكرهم الذي يمكرهم به وهو عذابهم الذي يستحقونه فيأتيهم به من حيث لا يشعرون . أما قوله : { وإن كان مكرهم لتزول } من قرأ بكسر اللام الأولى ونصب الثانية فوجهان : أحدهما أن تكون " إن " مخففة من الثقيلة فزوال الجبال مثل لعظم مكرهم وشدته أي وإن الشأن كان مكرهم معداً لذلك . وثانيهما أن تكون " إن " نافية واللام المكسورة لتأكيد النفي كقوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [ البقرة : 143 ] والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه الثابتة على حالها أبد الدهر . ومن قرأ بفتح اللام الأولى ورفع الثانية فإن مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة ، والمعنى كما مر .

/خ52