فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

{ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ( 46 ) }

{ وَقَدْ مَكَرُواْ } أي فعلنا بهم ما فعلنا ، والحال أنهم قد مكروا في رد الحق وإثبات الباطل .

{ مَكْرَهُمْ } العظيم الذي استفرغوا فيه وسعهم ، وقيل المراد كفار قريش الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين هموا بقتله ونفيه كما ذكر في سورة الأنفال والأول أولى .

{ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ } أي علمه أو جزاؤه أو مكتوب مكرهم فهو مجازيهم أو عند الله مكرهم الذي يمكرهم به ، على أن يكون المكر مضافا إلى المفعول .

وقيل المراد ما وقع من النمرود حيث حاول الصعود إلى السماء فاتخذ لنفسه تابوتا وربط قوائمه بأربعة نسور ، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بأطول من هنا ، وروي نحو هذه القصة لبختنصر وللنمرود من طرق ذكرها في الدر المنثور ، واستبعدها بعض أهل العلم ، وقال إن الخطر فيه عظيم ، ولا يكاد عاقل أن يقدم على مثل هذا الأمر العظيم الذي ذكروه وليس فيه خبر صحيح يعتمد عليه ، ولا مناسبة لهذه القصة بتأويل الآية البتة .

{ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } وقرئ كاد موضع كان وقرئ لتزول بفتح اللام على أنها لام الابتداء ، وقرأ الجمهور بكسرها على أنها لام الجحود ، قال ابن جرير : والمختارة هي الأخيرة وإن هي الخفيفة من الثقيلة واللام هي الفارقة وزوال الجبال مثل لعظم مكرهم وشدته أي وإن الشأن كان مكرهم معدا لذلك .

قال الزجاج : وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال ، فإن الله ينصر دينه ، وعلى قراءة الجمهور يحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون إن هي المخففة من الثقيلة والمعنى كما مر .

والثاني : أن تكون نافية واللام المكسورة لتأكيد النفي كقوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه الثابتة على حالها مدى الدهور المشبهة بها في القرار والبقاء ، وقال ابن عباس : مكرهم شركهم والمراد بالجبال هنا قيل حقيقتها ، وقيل المراد بالمكر كفرهم ، ويناسبه : { تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا } .