تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

ثم أخبر عن فعل نمروذ بن كنعان الجبار ، فقال : { وقد مكروا مكرهم } يقول : فعلهم ، يعنى التابوت فيها الرجلان اللذان كانا في التابوت ، والنسور الأربعة ، { وعند الله مكرهم } ، يقول : عند الله مكرهم ، يعنى فعلهم ، { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } [ آية :46 ] ، نظيرها في بني إسرائيل : { وإن كادوا ليفتنونك } [ الإسراء :73 ] ، يعنى وقد كادوا ، وقد كان نمروذ بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه ، وهو أول من ملك الأرض كلها ، وذلك أنه بنى صرحا ببابل زعم ليتناول إله السماء ، فخر عليهم السقف ، وهو البناء من فوقهم .

حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن دانيال ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، في قوله سبحانه : { وإن كان مكرهم } قال : أمر نمروذ بن كنعان عدو الله ، فنحت التابوت ، وجعل له بابا من أعلاه ، وبابا من أسفله ، ثم صعد إلى أربع نسور ، ثم أوثق كل نسر بقائمة التابوت ، ثم جعل في أعلى التابوت لحما شديد الحمرة ، في أربعة نواحي التابوت حيال النسور ، ثم جعل رجلين في التابوت ، فنهضت النسور تريد اللحم ، فارتفع التابوت إلى السماء ، فلما ارتفع ما شاء الله ، قال أحد الرجلين لصاحبه : فاتح باب التابوت الأسفل فانظر كيف ترى الأرض ؟ ففتح فنظر ، قال : أراها كالعروة البيضاء .

ثم قال له : افتح الباب الأعلى ، فانظر إلى السماء ، هل ازددنا منها قربا ؟ قال : ففتح الباب الأعلى ، فإذا هي كهيئتها ، وارتفعت النسور تريد اللحم ، فلما ارتفعا جدا ، لم تدعهما الريح أن يصعدا ، فقال أحدهما لصاحبه : افتح الباب الأسفل فانظر كيف ترى الأرض ؟ قال : ففتح ، قال : إنها سوداء ظلمة ، ولا أرى منها شيئا ، قال : اردد الباب الأسفل ، وافتح الباب الأعلى ، فانظر إلى السماء ، هل ازددنا منها قربا ؟ ففتح الباب الأعلى ، فقال : أراها كهيئتها .

قال لصاحبه : نكس التابوت ، فنكسه ، فتصوب اللحم ، وصارت النسور فوق التابوت واللحم أسفل ، ثم هوت النسور منصبة تريد اللحم ، فسمعت الجبال وحفيف التابوت وخفيف أجنحة النسور ، ففزعت وظنت أنه أمر نزل من السماء ، فكادت أن تزول من أماكنها من مخافة الله عز وجل ، فذلك قوله : { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } .