ولما ذكر تعالى صفة عقابهم أتبعه بذكر كيفية مكرهم بقوله تعالى :
{ وقد مكروا مكرهم } ، أي : الشديد العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم ، واختلف في عود الضمير في مكروا على وجوه : الأوّل : أن يعود إلى الذين سكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ؛ لأنّ الضمير يعود إلى أقرب مذكور . والثاني : إلى قوم محمد صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى : { وأنذر } ، أي : يا محمد الناس وقد مكر قومك مكرهم ، وذلك المكر هو الذي ذكر الله تعالى في قوله : { إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك } [ الأنفال ، 30 ] . { وعند الله مكرهم } ، أي : ومكتوب عند الله فعلهم ، فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه .
وقيل : إنّ مكرهم لا يزيل أمر محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو ثابت كثبوت الجبال . وقد حكي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الآية قول آخر وهو أنها نزلت في نمروذ الجبار الذي حاج إبراهيم في ربه فقال نمروذ : إن كان ما يقوله إبراهيم حقاً فلا أنتهي حتى أصعد إلى السماء ، فأعلم ما فيها ، ثم أمر نمروذ صاحبه فاتخذ لنفسه تابوتاً ، وجعل له باباً من أعلاه وباباً من أسفله ، وربط قوائمه الأربع بأربعة نسور ، وكان قد جوّعها ، ورفع فوق الجوانب الأربع من التابوت عصياً أربعة وعلق على كل واحدة منها قطعة لحم ، ثم إنه جلس مع صاحبه في ذلك التابوت ، فلما أبصرت النسور تلك اللحوم تصاعدت في جوّ الهواء ، فطارت يوماً حتى أبعدت في الهواء ، فقال نمروذ لصاحبه : افتح الباب الأسفل ، وانظر إلى الأرض كيف تراها ؟ ففعل فقال : أرى الأرض مثل اللجة والجبال مثل الدخان قال : فطارت النسور ، يوماً آخر وارتفعت حتى حالت الريح بينها وبين الطيران ، فقال نمروذ لصاحبه : افتح الباب الأعلى ، ففتح فإذا السماء كهيئتها ، وفتح الباب الأسفل ، فإذا الأرض سوداء مظلمة ، ونودي أيها الطاغي أين تريد ؟ قال عكرمة : كان معه في التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب ، فرمى بسهم فعاد إليه السهم ملطخاً بالدم بدم سمكة قذفت نفسها من بحر في الهواء ، وقيل : طائر أصابه السهم فقال : كفيت إله السماء ، فنكس تلك العصيّ التي علق عليها اللحوم ، فتسفلت النسور ، وهبطت إلى الأرض ، فسمعت الجبال حفيف التابوت والنسور ، ففزعت وظنت أن قد حدث في السماء حدث وأن القيامة قد قامت ، فكادت تزول عن أماكنها فذلك قوله تعالى : { وإن كان مكرهم } ، أي : من القوّة والضخامة { لتزول منه الجبال } قال الرازي : ولا حاجة في تأويل الآية إلى هذا ، فإنه لم يجيء فيه خبر صحيح معتمد انتهى . والمراد بالجبال هنا قيل : حقيقتها وقيل شرائع الإسلام المشبهة بها في القرار والثبات . وقرأ الكسائيّ بفتح اللام الأولى ورفع الأخيرة ، والباقون بكسر الأولى وفتح الثانية ، والتقدير على القراءة الأولى : وإن كان بحيث أنه تزول منه الجبال ، وقيل : أن نافية واللام لتأكيد النفي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.