الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ} (46)

ثم قال تعالى : { وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم }[ 46 ] .

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أخذ الذي{[37529]} حاج إبراهيم في ربه نسرين فرباهما{[37530]} ، حتى استعجلا واستغلظا وشبا . ثم أوثق رجل كل واحد منهما في وتد إلى تابوت ، وجوعهما ، وقعد هو ورجل{[37531]} أخر في التابوت . ورفع من التابوت عصا على رأسها لحم ، فطارا{[37532]} بالتابوت ، وجعل يقول لصاحبه : انظر ماذا{[37533]} ترى ؟ فيقول : أرى كذا ، وكذا ، حتى قال : أرى الدنيا كأنها ذباب . فقال له : صوب العصا{[37534]} ، فصوبها فهبطا{[37535]} : فهو مكرهم الذي أرادت الجبال أن تزول منه{[37536]} .

وروي أن الذي فعل ذلك بالنسور بختنصر{[37537]} . فلما ارتفعت به النسور نودي : أيها{[37538]} الطاغية أين تريد ؟ ففزع{[37539]} ، وصوب الرمح الذي فيه اللحم ، فصوبت النسور : فكادت الجبال أن تزول لذلك{[37540]} .

وقال ابن جبير : هو نمرود{[37541]} .

وقيل : مكرهم هنا ، هو شركهم بالله سبحانه{[37542]} ، وافتراؤهم عليه . روي ذلك أيضا{[37543]} عن ابن عباس{[37544]} .

/ وقال الضحاك هو كقوله{[37545]} { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا } – الآية -{[37546]} .

ومن كسر اللام في ( لتزول منه ){[37547]} جعل إن بمعنى : ما أي : وما كان مكرهم لتزول منه الجبال . واللام لام النفي . وهذا مروي عن الحسن ( رحمه الله ){[37548]} ومثله عنده : { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك }{[37549]} : أي : فما كنت في شك{[37550]} . ومثله :

{ قل إن كان للرحمن ولد }{[37551]} : أي : ما كان{[37552]} .

( فيكون معنى القراءة عندهم أضعف ){[37553]} ، وأوهن{[37554]} من أن تزول منه الجبال ، ويدل على صحة قوله إن كيد الشيطان كان ضعيفا .

ومن فتح اللام{[37555]} جعلها لام تأكيد ، ومعناه : إنه عظم مكرهم وكبرهم . فأخبر أن الجبال كادت تزول لمكرهم ، و{[37556]}دليل تعظيم مكرهم أن الله قد قال : { ومكروا مكرا كبارا }{[37557]} ، وقال : { يكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا }{[37558]} : فأخبر أن ما يأتون به{[37559]} من الكفر تكاد{[37560]} السماوات يتفطرن{[37561]} منه : ( أي ){[37562]} : تنشق ، وتكاد الجبال تسقط إعظاما لقولهم .

وقيل : إن المراد بهذه الآية قريش ، نفى الله عز وجل ، أن تزول لمكرهم الجبال ، والجبال كناية عن القرآن ، والتقدير{[37563]} : وما كان مكر قريش وكفرهم ليزول منه القرآن إذا أنكروه ، وكفروا به . بل فعلهم ذلك لا يضر القرآن ، ولا يزيله من قلوب المؤمنين حتى يبلغ جميع الأمم الكائنة إلى يوم القيامة . فيجاز( ى ){[37564]} المؤمن{[37565]} به على إيمانه ، والكافر به على كفره{[37566]} .


[37529]:ق: الذين.
[37530]:ق: فربهما.
[37531]:ق: ودخل.
[37532]:ق: فطار.
[37533]:ط: ما.
[37534]:ط: بالعصى.
[37535]:ق: فهبط.
[37536]:انظر: هذا الخبر في: جامع البيان 13/244، والجامع 9/250، وعلق عليه ابن عطية في المحرر 10/101 بقوله: وذلك عندي لا يصح عن علي، رضي الله عنه، وفي هذه القصة كلها ضعف من طريق المعنى.. قلت: ولا شك أنها أسطورة مهولة من صنيع بني إسرائيل، أو من يكيد لكتاب الله العزيز.
[37537]:في النسختين معا: بخت نصر.
[37538]:ط: أيتها.
[37539]:ط: ففرق.
[37540]:وهو قول مجاهد في: جامع البيان 13/244، وينطبق عليه تعليق الهامش السابق.
[37541]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 13/245، وعزاه في تفسير ابن كثير 2/839 إلى عكرمة. وهو نمرود بن كنعان بن كوه بن سام بن نوح. قال عنه السيوطي في الدر 3/204: وكانت الملوك الذين ملكوا والأرض كلها أربعة: ابن كنعان وسليمان بن داود، وذو القرنين، وبختنصر: مسلمين وكافرين، وهو الملك الذي حاج إبراهيم في ربه.
[37542]:ساقط من ط.
[37543]:ط: مطموس.
[37544]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 13/245.
[37545]:ط: قوله.
[37546]:مريم: 89 وانظر هذا القول في: المصدر السابق 13/246.
[37547]:وهي قراءة جمهور القراء عدا الكسائي، وابن محيصن. وفي معاني الفراء 2/79، أنها قراءة علي، ومجاهد، وابن وثاب، وابن عباس. انظر: جامع البيان 13/246، والسبعة 363، وإعراب النحاس 2/272، والمبسوط 257، والحجة 379، وإعراب مكي 1/453، والتيسير 135، والمحرر 10/100 والجامع 9/249، والنشر 2/300، وفي البحر المحيط 5/427، أنها: أيضا قراءة عمر، وعلي، وعبد الله، وأبي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبي إسحاق السبيعي، زيد بن علي.
[37548]:انظر: قراءة الحسن في معاني الفراء 2/79، ولم تنسب في جامع البيان 13/247، ومعاني الزجاج 3/166.
[37549]:يونس: 94.
[37550]:انظر: الهامش 1 في الصفحة نفسهاز
[37551]:الزخرف: 81.
[37552]:انظر: قراءة الحسن في معاني الفراء 2/79، ولم تنسب في جامع البيان 13/247، ومعاني الزجاج 3/166.
[37553]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[37554]:ط: مطموس.
[37555]:انظر: الهامش الأول.
[37556]:ساقط من ق.
[37557]:نوح: 23.
[37558]:مريم: 91-92.
[37559]:ساقط من ط.
[37560]:ق: يكاد.
[37561]:ساقط من ط.
[37562]:انظر المصدر السابق.
[37563]:ط: فالتقدير.
[37564]:ساقط من ق.
[37565]:ط: المؤمنين.
[37566]:وهو معنى قول الزجاج في معانيه 3/167.