تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِهِۦ فَعُمِّيَتۡ عَلَيۡكُمۡ أَنُلۡزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمۡ لَهَا كَٰرِهُونَ} (28)

ولهذا { قَالَ } لهم نوح مجاوبا { يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي } أي : على يقين وجزم ، يعني ، وهو الرسول الكامل القدوة ، الذي ينقاد له أولو الألباب ، ويضمحل في جنب عقله ، عقول الفحول من الرجال ، وهو الصادق حقا ، فإذا قال : إني على بينة من ربي ، فحسبك بهذا القول ، شهادة له وتصديقا .

{ وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ } أي : أوحى إلي وأرسلني ، ومنَّ علي بالهداية ، { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } أي : خفيت عليكم ، وبها تثاقلتم .

{ أَنُلْزِمُكُمُوهَا } أي : أنكرهكم على ما تحققناه ، وشككتم أنتم فيه ؟ { وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } حتى حرصتم على رد ما جئت به ، ليس ذلك ضارنا ، وليس بقادح من يقيننا فيه ، ولا قولكم وافتراؤكم علينا ، صادا لنا عما كنا عليه .

وإنما غايته أن يكون صادا لكم أنتم ، وموجبا لعدم انقيادكم للحق الذي تزعمون أنه باطل ، فإذا وصلت الحال إلى هذه الغاية ، فلا نقدر على إكراهكم ، على ما أمر الله ، ولا إلزامكم ، ما نفرتم عنه ، ولهذا قال : { أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ }